وقال الزمخشري : والإملاء لهم تحليتهم ، وشأنهم مستعار من أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء. وقيل : هو إمهالهم وإطالة عمرهم ، والمعنى : أن الإملاء خير لهم من منعهم أو قطع آجالهم ، إنّما نملي لهم جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها ، كأنه قيل : ما بالهم يحسبون الإملاء خيرا لهم ، فقيل : إنما نملي لهم ليزدادوا إثما. (فإن قلت) : كيف جاز أن يكون ازدياد الإثم غرضا لله تعالى في إملائه لهم؟ (قلت) : هو علة الإملاء ، وما كلّ علة بغرض. ألا تراك تقول : قعدت عن الغزو للعجز والفاقة ، وخرجت من البلد لمخافة الشرّ ، وليس شيء منها بغرض لك ، وإنما هي علل وأسباب. فكذلك ازدياد الإثم جعل علة للإملاء ، وسببا فيه. (فإن قلت) : كيف يكون ازدياد الإثم علة للإملاء ، كما كان العجز علة للقعود عن الحرب؟ (قلت) : لمّا كان في علم الله المحيط بكلّ شيء أنّهم مزدادون إثما ، فكان الإملاء وقع لأجله وبسببه على طريق المجاز انتهى كلامه. وكله جار على طريقة المعتزلة. وقال الماتريدي : المعتزلة تناولوها على وجهين : أحدهما : على التقديم والتأخير. أي : ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم ليزدادو إثما ، إنما نملي لهم خير لأنفسهم. الثاني : أنّ هذا إخبار منه سبحانه وتعالى عن حسبانهم فيما يؤول إليه أمرهم في العاقبة ، بمعنى أنهم حسبوا أن إمهالهم في الدّنيا وإصابتهم الصحة والسلامة والأموال خير لأنفسهم في العاقبة ، بل عاقبة ذلك شرّ. وفي التأويل الأول إفساد النظم ، وفي الثاني تنبيه على من لا يجوز تنبيهه. فإنّ الإخبار عن العاقبة يكون لسهو في الابتداء أو غفله ، والعالم في الابتداء لا ينبه نفسه انتهى كلامه. وكتبوا ما متصلة بأن في الموضعين. قيل : وكان القياس الأولى في علم الخط أن تكتب مفصولة ، ولكنها وقعت في الإمام متصلة فلا تخالف ، ونتبع سنة الإمام في المصاحف. وأما الثانية ، فحقها أن تكتب متصلة لأنها كافة دون العمل ، ولا يجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي. ولا مصدرية ، لأن لام كي لا يصحّ وقوعها خبر للمبتدأ ولا لنواسخه. وقيل : اللام في ليزدادوا للصيرورة. (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) هذه الواو في : ولهم ، للعطف. وقال الزمخشري : (فإن قلت) : فما معنى قوله : ولهم عذاب مهين على هذه القراءة ، يعني قراءة يحيى بن وثاب بكسر إنما الأولى وفتح الثانية؟ (قلت) : معناه ولا تحسبوا أن إملاءنا لزيادة الإثم وللتعذيب ، والواو للحال. كأنه قيل : ليزدادوا إثما معدا لهم عذاب مهين انتهى. والذين نقلوا قراءة يحيى لم يذكروا أن أحدا قرأ الثانية بالفتح إلا هو ، إنما ذكروا أنه قرأ الأولى بالكسر. ولكنّ الزمخشري من ولوعه بنصرة مذهبه يروم رد كل شيء إليه. ولما قرر في هذه القراءة أنّ المعنى على نهي