قلوبهم كبذل الأرواح في الجهاد ، وإنفاق الأموال في سبيل الله ، فيجعل ذلك عيارا على عقائدكم ، وشاهدا بضمائركم ، حتى يعلم بعضكم ما في قلب بعض من طريق الاستدلال ، لا من جهة الوقوف على ذات الصدور والاطلاع عليها ، فإنّ ذلك مما استأثر الله به انتهى. ومعنى هذا القول لابن كيسان. قال ابن كيسان : المعنى ما يذركم على الإقرار حتى يختبركم بالشرائع والتكاليف ، فأخذه الزمخشري والقول الذي قبله ونمقهما ببلاغته وحسن خطابته.
وقيل : المعنى ما كان الله ليذر أولادكم الذين حكم عليهم بالإيمان على ما أنتم عليه من الشرك حتى يفرق بينكم وبينهم. وقيل : كانوا يستهزؤون بالمؤمنين سرا فقال : لا يدعكم على ما أنتم عليه من الطعن فيهم والاستهزاء ، ولكن يمتحنكم لتفتضحوا ويظهر نفاقكم عندهم ، لا في دار واحدة ، ولكن يجعل لهم دارا أخرى يميز فيها الخبيث من الطيب ، فيجعل الخبيث في النار ، والطيب في الجنة. والخبيث الكافر ، والطيب المؤمن ، وتمييزه بالهجرة والجهاد. وقال مجاهد : الطيب المؤمن ، والخبيث المنافق ، ميز بينهما يوم أحد. وقيل : الخبيث الكافر ، والطيب المؤمن ، وتمييزه بإخراج أحدهما من صلب الآخر. وقيل : تمييز الخبيث هو إخراج الذنوب من إحياء المؤمنين بالبلايا والرزايا. وقيل : الخبيث العاصي ، والطيب المطيع ، والألف واللام في الخبيث والطيب للجنس أو للعهد ، إذ كان المعهود في ذلك الوقت أن الخبيث هو الكافر والطيب هو المؤمن كما قال : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) (١) الآية.
واللام في قوله : ليذر هي المسماة لام الجحود ، وهي عند الكوفيين زائدة لتأكيد النفي ، وتعمل بنفسها النصب في المضارع. وخبر كان هو الفعل بعدها فتقول : ما كان زيد يقوم ، وما كان زيد ليقوم ، إذا أكدت النفي. ومذهب البصريين أنّ خبر كان محذوف ، وأن النصب بعد هذه اللام بأن مضمرة واجبة الإضمار ، وأنّ اللام مقوية لطلب ذلك المحذوف لما بعدها ، وأنّ التقدير : ما كان الله مريدا ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه ، أي : ما كان مريدا لترك المؤمنين. وقد تكلمنا على هذه المسألة في كتابنا المسمى بالتكميل في شرح التسهيل.
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٢٦.