وقال أبو سفيان لحمزة رضياللهعنه لما طعنه وحشي : ذق عقق ، واستعير لمباشرة العذاب الذوق ، لأن الذوق من أبلغ أنواع المباشرة ، وحاستها متميزة جدا. والحريق : المحرق فعيل بمعنى مفعل ، كأليم بمعنى مؤلم. وقيل : الحريق طبقة من طباق جهنم. وقيل : الحريق الملتهب من النار ، والنار تشمل الملتهبة وغير الملتهبة ، والملتهبة أشدها. والظاهر أنّ هذا القول يكون عند دخولهم جهنم. وقيل : قد يكون عند الحساب ، أو عند الموت. وأنّ وما بعدها محكي بقالوا. وأجاز أبو البقاء أن يكون محكيا بالمصدر ، فيكون من باب الأعمال. قال : وإعمال الأول أصل ضعيف ، ويزداد ضعفا لأن الثاني فعل والأول مصدر ، وإعمال الفعل أقوى. والظاهر أنّ ما فيما قالوا موصولة بمعنى الذي ، وأجيز أن تكون مصدرية.
وقرأ الجمهور : سنكتب وقتلهم بالنصب. ونقول : بنون المتكلم المعظم. أو تكون للملائكة. وقرأ الحسن والأعرج سيكتب بالياء على الغيبة. وقرأ حمزة : سيكتب بالياء مبنيا للمفعول ، وقتلهم بالرفع عطفا على ما ، إذ هي مرفوعة بسيكتب ، ويقول بالياء على الغيبة. وقرأ طلحة بن مصرّف : سنكتب ما يقولون. وحكى الداني عنه : ستكتب ما قالوا بتاء مضمومة على معنى مقالتهم. وقرأ ابن مسعود : ويقال ذوقوا. ونقلوا عن أبي معاذ النحويّ أنّ في حرف ابن مسعود سنكتب ما يقولون ونقول لهم ذوقوا.
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) الإشارة إلى ما تقدم من عقابهم ، ونسب ما قدموه من المعاصي القولية والفعلية والاعتقادية إلى الأيدي على سبيل التغليب ، لأن الأيدي تزاول أكثر الأعمال ، فكان كل عمل واقع بها. وهذه الجملة داخلة في المقول ، وبخوا بذلك ، وذكر لهم السبب الذي أوجب لهم العقاب. ويحتمل أن يكون خطابا لمعاصري الرسول صلىاللهعليهوسلم يوم نزول الآية ، فلا يندرج تحت معمول قوله ونقول.
(وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) هذا معطوف على قوله : بما قدمت أيديكم ، أي ذلك العقاب حاصل بسبب معاصيكم ، وعدل الله تعالى فيكم. وجاء لفظ ظلام الموضوع للتكثير ، وهذا تكثير بسبب المتعلق. وذهب بعضهم إلى أن فعالا قد يجيء لا يراد به الكثرة ، كقول طرفة :
ولست بحلال التلاع مخافة |
|
ولكن متى يسترفد القوم أرفد |
لا يريد أنه قد يحل التلاع قليلا ، لأن عجز البيت يدفعه ، فدلّ على نفي البخل في