فمعنى بما أتوا بما فعلوا ، ويدل عليه قراءة أبي بما فعلوا. وفي الذي فعلوه وفرحوا به أقوال : أحدها كتم ما سألهم عنه الرسول ، وإخبارهم بغيره ، وأروه أنهم قد أخبروه به واستحمدوا بذلك إليه قاله : ابن عباس. الثاني ما أصابوا من الدنيا وأحبوا أن يقال : إنهم علماء قاله : ابن عباس أيضا. الثالث قولهم : نحن على دين ابراهيم ، وكتمهم أمر الرسول قاله : ابن جبير. الرابع كتبهم إلى اليهود يهود الأرض كلها أن محمدا ليس بنبي ، فأثبتوا على دينكم ، فاجتمعت كلمتهم على الكفر به. وقالوا : نحن أهل الصوم والصلاة وأولياء الله قاله : الضحاك والسدي. الخامس قول يهود خيبر للنبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه : نحن على دينكم ، ونحن لكم ردء ، وهم مستمسكون بضلالهم ، وأرادوا أن يحمدهم بما لم يفعلوا قاله : قتادة. السادس تجهيز اليهود جيشا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وإنفاقهم على ذلك الجيش قاله : النخعي. السابع إخبار جماعة من اليهود للمسلمين حين خرجوا من عند النبي صلىاللهعليهوسلم قد أخبرهم بأشياء عرفوها ، فحمدهم المسلمون على ذلك ، وأبطنوا خلاف ما أظهر ، وأذكره الزجاج. الثامن اتباع الناس لهم في تبديل تأويل التوراة ، وأحبوا حمدهم إياهم على ذلك ، ولم يفعلوا شيئا نافعا ولا صحيحا قاله : مجاهد. التاسع تخلف المنافقين عن الغزو وحلفهم للمسلمين أنهم يسرّون بنصرهم ، وكانوا يحبون أن يقال أنهم في حكم المجاهدين قاله : أبو سعيد الخدري.
والأقوال السابقة غير هذا الأخير مبنية على أن الآية نزلت في اليهود. قيل : ويجوز أن يكون شاملا لكل من يأتي بحسنة فرح بها فرح إعجاب ، ويحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بالديانة والزهد ، وبما ليس فيه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : لا يحسبن ولا يحسبنهم بالياء فيهما ، ورفع باء يحسبنهم على إسناد يحسبن للذين ، وخرجت هذه القراءة على وجهين : أحدهما ما قاله أبو عليّ : وهو أن لا يحسبن لم يقع على شيء ، والذين رفع به. وقد تجيء هذه الأفعال لغوا لا في حكم الجمل المفيدة نحو قوله :
وما خلت أبقي بيننا من مودّة |
|
عراض المداكي المشنقات القلائصا |
وقال الخليل : العرب تقول : ما رأيته يقول ذلك إلا زيد ، وما ظننته يقول ذلك إلا زيد. قال ابن عطية : فتتجه القراءة بكون فلا يحسبنهم بدلا من الأول ، وقد تعدّى إلى المفعولين وهما : الضمير وبمفازة ، واستغنى بذلك عن المفعولين ، كما استغنى في قوله :
بأي كتاب أم بأية سنة |
|
ترى حبهم عارا عليّ وتحسب |