مذهب أبي علي يكون في موضع المفعول الثاني. وذهب الزمخشري إلى القول الأول قال : تقول : سمعت رجلا يقول كذا ، وسمعت زيدا يتكلم ، لتوقع الفعل على الرّجل ، وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع ، أو جعلته حالا عنه ، فأغناك عن ذكره. ولو لا الوصف أو الحال لم يكن منه بدّ. وإن يقال : سمعت كلام فلان ، أو قوله انتهى كلامه. وقوله : ولو لا الوصف أو الحال إلى آخره ليس كذلك ، بل لا يكون وصف ولا حال ، ويدخل سمع على ذات ، لا على مسموع. وذلك إذا كان في الكلام ما يشعر بالمسموع وإن لم يكن وصفا ولا حالا ، ومنه قوله تعالى : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) (١) أغني ذكر ظرف الدعاء عن ذكر المسموع.
والمنادى هنا هو الرّسول صلىاللهعليهوسلم. قال تعالى : (وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ) (٢) (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) (٣) قاله ابن جريج وابن زيد وغيرهما : أو القرآن ، قاله : محمد بن كعب القرظي ، قال : لأن كلّ المؤمنين لم يلقوا الرّسول ، فعلى الأول يكون وصفه بالنداء حقيقة ، وعلى الثاني مجازا ، وجمع بين قوله : مناديا ينادي ، لأنه ذكر الأول مطلقا وقيد الثاني تفخيما لشأن المنادى ، لأنه لا منادى أعظم من مناد ينادي للإيمان. وذلك أنّ المنادي إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب ، أو لإطفاء الثائرة ، أو لإغاثة المكروب ، أو لكفاية بعض النوازل ، أو لبعض المنافع. فإذا قلت : ينادي للإيمان فقد رفعت من شأن المنادي وفخمته. واللام متعلقة بينادي ، ويعدي نادي ، ودعا ، وندب باللام وبالي ، كما يعدي بهما هدى لوقوع معنى الاختصاص ، وانتهاء الغاية جميعا. ولهذا قال بعضهم : إن اللام بمعنى إلى. لما كان ينادي في معنى يدعو ، حسن وصولها باللام بمعنى : إلى. وقيل : اللام لام العلة ، أي لأجل الإيمان. وقيل : اللام بمعنى الباء ، أي بالإيمان. والسماع محمول على حقيقته ، أي سمعنا صوت مناد. قيل : ومن جعل المنادي هو القرآن ، فالسماع عنده مجاز عن القبول ، وأن مفسرة التقدير : أن آمنوا. وجوز أن تكون مصدرية وصلت بفعل الأمر ، أي : بأن آمنوا. فعلى الأول لا موضع لها من الإعراب. وعلى الثاني لها موضع وهو الجر ، أو النصب على الخلاف. وعطف فآمنا بالفاء مؤذن بتعجيل القبول ، وتسبيب الإيمان عن السماع من غير تراخ ، والمعنى : فآمنا بك أو بربنا.
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٧٢.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٦.
(٣) سورة النحل : ١٦ / ١٢٥.