(رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) قال ابن عباس : الذنوب هي الكبائر ، والسيئات هي الصغائر. ويؤيده : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (١) وقيل : الذنوب ترك الطاعات ، والسيئات فعل المعاصي. وقيل : غفران الذنوب وتكفير السيئات أمر قريب بعضه من بعض ، لكنه كرر للتأكيد ، ولأنها مناح من الستر وإزالة حكم الذنوب بعد حصوله ، والغفران والتكفير بمعنى ، والذنوب والسيئات بمعنى ، وجمع بينهما تأكيدا ومبالغة ، وليكون في ذلك إلحاح في الدعاء. فقد روى : «إن الله يحب الملحين في الدعاء». وقيل : في التفكير معنى وهو : التغطية ، ليأمنوا الفضوح. والكفارة هي الطاعة المغطية للسيئة ، كالعتق والصيام والإطعام. ورجل مكفر بالسلاح ، أي مغطى.
(وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) جمع بر ، على زن فعل ، كصلف. أو جمع بار على وزن فاعل كضارب ، وأدغمت الراء في الراء. وهم : الطائعون لله ، وتقدم معنى البرّ. وقيل : هم هنا الذين بروا الآباء والأبناء. ومع هنا مجاز عن الصحبة الزمانية إلى الصحبة في الوصف ، أي : توفنا أبرارا معدودين في جملة الأبرار. والمعنى : اجعلنا ممن توفيتهم طائعين لك. وقيل : المعنى احشرنا معهم في الجنة.
(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) الظاهر أنهم سألوا ربهم أن يعطيهم ما وعدهم على رسله ، ففسر هذا الموعود به بالجنة قاله : ابن عباس. وقيل : الموعود به النصر على الأعداء. وقيل : استغفار الأنبياء ، كاستغفار نوح وابراهيم ورسول الله صلىاللهعليهوسلم وعليهم أجمعين ، واستغفار الملائكة لهم.
وقوله : على رسلك هو على حذف مضاف ، فقدره الطبري وابن عطية : على ألسنة رسلك. وقدره الزمخشري : على تصديق رسلك. قال : فعلى هذه صلة للوعد في قولك : وعد الله الجنة على الطاعة. والمعنى : ما وعدتنا على تصديق رسلك. ألا تراه كيف اتبع ذكر المنادي للإيمان وهو الرسول ، وقوله : آمنا وهو التصديق. ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف أي : ما وعدتنا منزلا على رسلك ، أو محمولا على رسلك ، لأنّ الرسل يحملون ذلك ، فإنما عليه ما حمل انتهى. وهذا الوجه الذي ذكر آخرا أنه يجوز ليس بجائز ، لأن من قواعد النحويين أن الجارّ والمجرور والظرف متى كان العامل فيهما مقيدا فلا بد من ذكر ذلك العامل ، ولا يجوز حذفه ، ولا يحذف العامل إلا إذا كان كونا مطلقا. مثال ذلك : زيد
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٣١.