ضاحك في الدار ، لا يجوز حذف ضاحك البتة. وإذا قلت : زيد في الدار فالعامل كون مطلق يحذف. وكذلك زيد ناج من بني تميم ، لا يجوز حذف ناج. ولو قلت : زيد من بني تميم جاز على تقدير كائن من بني تميم ، والمحذوف فيما جوزه الزمخشري وهو قوله : منزلا أو محمولا ، لا يجوز حذفه على ما تقرر في علم النحو. وإذا كان العامل في الظرف أو المجرور مقيدا صار ذلك الظرف أو المجرور ناقصا ، فلا يجوز أن يقع صلة ، ولا خبر إلا في الحال. ولا في الأصل ، ولا صفة ، ولا حالا ، ومعنى سؤالهم : أن يعطيهم ما وعدهم ، أن يثيبهم على الإيمان والطاعة حتى يكونوا ممن يؤتيهم الله ما وعد المؤمنين ، ومعلوم أنه تعالى منجز ما وعد ، فسألوا إنجاز ما ترتب على الإيمان. والمعنى : التثبيت على الإيمان حتى يكونوا ممن يستحق برحمة الله تعالى إنجاز الوعد. وقيل : هذا السؤال جاء على سبيل الالتجاء إلى الله تعالى والتضرّع له ، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يستغفرون ، مع علمهم أنهم مغفور لهم ، يقصدون بذلك التذلل والتضرع إليه والالتجاء. وقيل : استبطؤوا النصر الذي وعدوا به فسألوا أن يعجل لهم وعده ، فعلى هذا وهو أن يكون الموعود به النصر يكون الإيتاء في الدّنيا ، وعلى أن يكون الجنة يكون الإيتاء في الآخرة. وقرأ الأعمش : على رسلك بإسكان السين.
(وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) فسر الإخزاء هنا بما فسر في فقد أخزيته. ويوم القيامة معمول لقوله : ولا تخزنا. ويجوز أن يكون من باب الإعمال ، إذ يصلح أن يكون منصوبا بتخزنا وبآتنا ما وعدتنا ، إذا كان الموعود به الجنة.
(إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) ظاهره أنه تعليل لقوله : (وَآتِنا ما وَعَدْتَنا) (١). وقال ابن عطية : إشارة إلى قوله تعالى : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) (٢) فهذا وعده تعالى ، وهو دال على أنّ الخزي إنما هو مع الخلود انتهى.
وانظر إلى حسن محاورة هؤلاء الذاكرين المتفكرين ، فإنهم خاطبوا الله تعالى بلفظة ربنا ، وهي إشارة إلى أنه ربهم أصلحهم وهيأهم للعبادة ، فأخبروا أولا بنتيجة الفكر وهو قولهم : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) (٣) ثم سألوه أن يقيهم النار بعد تنزيهه عن النقائص. وأخبروا عن حال من يدخل النار وهم الظالمون الذين لا يذكرون الله ، ولا يتفكرون في
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٩٤.
(٢) سورة التحريم : ٦٦ / ٨.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٩١.