يريد : وسافع. فكذلك يجوز ذلك هنا في أو ، أن تكون بمعنى الواو ، لأنه لما ذكر عمل عامل دل على العموم ، ثم أبدل منه على سبيل التأكيد ، وعطف على أحد الجزئين ما لا بد منه ، لأنه لا يؤكد العموم إلا بعموم مثله ، فلم يكن بدّ من العطف حتى يفيد المجموع من المتعاطفين تأكيد العموم ، فصار نظير من بين ملجم مهره أو سافع. لأنّ بين لا تدخل على شيء واحد ، فلا بد من عطف مصاحب مجرورها.
ومعنى بعضكم من بعض : أي مجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد ، فكل واحد منكم من الآخر أي من أصله. فإذا كنتم مشتركين في الأصل ، فكذلك أنتم مشتركون في الأجر وتقبل العمل. فيكون من هنا تفيد التبعيض الحقيقي ، ويشير بذلك الاشتراك الأصلي إلى الاشتراك في الأجر على حدّ واحد. وقيل : معناه بعضكم من بعض في الدين والنصرة ، والمعنى : أن وصف الإيمان يجمعهم ، كما جاء «المسلمون تتكافا دماؤهم» وقيل : معناه الذكور من الإناث ، والإناث من الذكور ، فكذلك الثواب. فكما اشتركوا في هذه البعضية كذلك اشتركوا في الأجر والثواب. ومحصول معنى هذه الجملة : أنه جيء بها لتبيين شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله به عباده العاملين ، وقد تقدّم ذكر سبب نزولها وهو : سؤال أم سلمة وخرّجه الحاكم في صحيحه.
(فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) لما ذكر تعالى أنه لا يضيع عمل عامل ، ذكر من عمل الأعمال السنية التي يستحق بها أن لا يضيع عمله ، وأن لا يترك جزاؤه. فذكر أولا الهجرة وهي : الخروج من الوطن الذي لا يمكن إقامة دينه فيه إلى المكان الذي يمكن ذلك فيه ، وهذا من أصعب شيء على الإنسان ، إذ هو مفارقة المكان الذي ربا فيه ونشأ مع أهله وعلى طريقتهم ، ولو لا نوازع الغوى المربى على وازع النشأة ما أمكنه ذلك. ألا ترى لقول الشاعر هما لابن الرومي :
وحبب أوطان الرجال إليهم |
|
مآب قضاها الشباب هنالكا |
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم |
|
عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا |
وقال ابن الصفي رفاعة بن عاصم الفقعسي :
أحب بلاد الله ما بين منعج |
|
إليّ وسلمى أن يصوب سجابها |
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي |
|
وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها |
بها طال تجراري ردائي حقبة |
|
وزينت ريّا الحجل درم كعابها |