(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : النصر. وقيل : رؤية الجيش مثليهم (لَعِبْرَةً) أي اتعاظا ودلالة. (لِأُولِي الْأَبْصارِ) إن كانت الرؤية بصرية ، فالمعنى : للذين أبصروا الجمعين ، وإن كانت اعتقادية ، فالمعنى : لذوي العقول السليمة القابلة للاعتبار.
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ) قرأ الجمهور : زين مبنيا للمفعول ، والفاعل محذوف ، فقيل : هو الله تعالى ، قاله عمر ، لأنه قال حين نزلت : الآن يا رب حين زينتها ، فنزلت (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ) (١) الآية ، ومعنى التزيين : خلقها وإنشاء الجبلة على الميل إليه ، وهذا كقوله : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ) (٢) فزينها تعالى للابتلاء ، ويدل عليه قراءة : زين للناس حب ، مبنيا للفاعل ، وهو الضمير العائد على الله في قوله : (وَاللهُ يُؤَيِّدُ).
وقيل : المزين الشيطان ، وهو ظاهر قول الحسن ، قال : من زينها : ما أحد أشد ذما لها من خالقها! ويصح إسناد التزيين إلى الله تعال بالإيجاد والتهيئة للانتفاع ، ونسبته إلى الشيطان بالوسوسة ، وتحصيلها من غير وجهها. وأشارت الآية إلى توبيخ معاصري رسول الله صلىاللهعليهوسلم من اليهود وغيرهم ، المفتونين بالدنيا ، وأضاف المصدر إلى المفعول ، وهو الكثير في القرآن ، وعبر عن المشتهيات : بالشهوات ، مبالغة. إذ جعلها نفس الأعيان ، وتنبيها على خستها ، لأن الشهوة مسترذلة عند العقلاء ، يذم متبعها ويشهد له بالانتظام في البهائم ، وناهيك لها ذما قوله صلىاللهعليهوسلم : «حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره» وأتى بذكر الشهوات أولا مجموعة على سبيل الإجمال ، ثم أخذ في تفسيرها شهوة شهوة ليدل على أن المزين ما هو إلّا شهوة دنيوية لا غير ، فيكون في ذلك تنفير عنها ، وذم لطالبها وللذي يختارها على ما عند الله ، وبدأ في تفصيلها بالأهم فالأهم ، بدأ بالنساء لأنهنّ حبائل الشيطان وأقرب وأكثر امتزاجا : «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكنّ». ويقال ؛ فيهنّ فتنتان : قطع الرحم وجمع المال من الحلال والحرام ، وفي البنين فتنة واحدة وهي جمع المال.
وثنى بالبنين لأنهم من ثمرات النساء ، وفروع عنهنّ ، وشقائق النساء في الفتن ، الولد مبخلة مجبنة :
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٥.
(٢) سورة الكهف : ١٨ / ٧.