(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) لما نهوا عن استبدال الخبيث من أموالهم بالطيب من أموال اليتامى ، ارتقى في النهي إلى ما هو أفظع من الاستبدال وهو : أكل أموال اليتامى فنهوا عنه. ومعنى إلى أموالكم : قيل مع أموالكم ، وقيل : إلى في موضع الحال التقدير : مضمومة إلى أموالكم. وقيل : تتعلق بتأكلوا على معنى التضمين أي : ولا تضموا أموالهم في الأكل إلى موالكم. وحكمة : إلى أموالكم ، وإن كانوا منهيين عن أكل أموال اليتامى بغير حق ، أنه تنبيه على غنى الأولياء. كأنه قيل : ولا تأكلوا أموالهم مع كونكم ذوي مال أي : مع غناكم ، لأنه قد أذن للولي إذا كان فقيرا أن يأكل بالمعروف. وهذا نص على النهي عن الأكل ، وفي حكمه التمول على جميع وجوهه.
وقال مجاهد : الآية ناهية عن الخلط في الإنفاق ، فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهوا عن ذلك ، ثم نسخ منه النهي بقوله تعالى : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) (١). وقال الحسن قريبا من هذا.
قال : تأول الناس من هذه الآية النهي عن الخلط ، فاجتنبوه من قبل أنفسهم ، فخفف عنهم في آية البقرة. وحسّن هذا القول الزمخشري بقوله : وحقيقته ولا تضموها إليها في الإنفاق حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بما لا يحل لكم ، وتسوية بينه وبين الحلال. قال : (فإن قلت) قد حرم عليهم أكل مال اليتامى وحده ومع أموالهم ، فلم ورد النهي عن أكله معها؟ (قلت) : لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من مال حلال ، وهم على ذلك يطمعون فيها ، كان القبح أبلغ والذم أحق. ولأنهم كانوا يفعلون ذلك فنعى عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم انتهى كلامه. وملخصه أن قوله : إلى أموالكم ليس قيدا للاحتراز ، إنما جيء به لتقبيح فعلهم ، ولأن يكون نهيا عن الواقع ، فيكون نظير قوله : (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) (٢) وإن كان الربا على سائر أحواله منهيا عنه. وما قدمناه نحن يكون ذلك قيدا للاحتراز ، فإنه إذا كان الولي فقيرا جاز أن يأكل بالمعروف ، فيكون النهي منسحبا على أكل مال اليتيم لمن كان غنيا كقوله : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) (٣).
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٢٠.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٣٠.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٦.