يجوز له أكل الميتة أكل بقدر حاجته وردّ إذا وجد ، وإلّا فلا يأكل لا سفرا ولا حضرا. وقال مجاهد : هذه الإباحة منسوخة بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) (١). وقال أبو يوسف : لعلها منسوخة بقوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (٢) فليس له أن يأخذ قرضا ولا غيره. وقال ابن عباس والنخعي أيضا : هذا الأمر ليس متعلقا بمال اليتيم ، والمعنى : أنّ الغني يستعفف بغناه ، وأما الفقير فيأكل بالمعروف من مال نفسه ، ويقوم على نفسه بماله حتى لا يحتاج إلى مال يتيمه. واختار هذا القول من الشافعية الكيا الطبري. وقيل : إن كان مال اليتيم كثيرا يحتاج إلى قيام كثير عليه بحيث يشغل الولي عن مصالح نفسه ومهماته فرض له في مال اليتيم أجر عمله ، وإن كان لا يشغله فلا يأكل منه شيئا ، غير أنه يستحب له شرب قليل اللبن ، وأكل قليل الطعام والسمن ، غير مضربه ولا مستكثر منه على ما جرت به العادة والمسامحة. وقالت طائفة منهم ربيعة ويحيى بن سعيد : هذا تقسيم لحال اليتيم ، لا لحال الوصي. والمعنى : من كان منهم غنيا فليعف بماله ، ومن كان منهم فقيرا فليقتر عليه بالمعروف والاقتصاد. ويكون من خطاب العين ، ويراد به الغير. خوطب اليتامى بالاستعفاف والأكل بالمعروف ، والمراد الأولياء. لأن اليتامى ليسوا من أهل الخطاب ، فكأنه قال للأولياء والأوصياء : إن كان اليتيم غنيا فانفقوا عليه نفقة متعفف مقتصد لئلا يذهب ماله بالتوسع في نفقته ، وإن كان فقيرا فلينفق عليه بقدر ماله لئلا يذهب فيبقى كلا مضعفا.
فهذه أقوال ملخصها : هل تقسيم في الولي أو الصبي قولان : فإذا كان في الولي فهل الأمر متوجه إلى مال نفسه ، أو مال الصبي؟ قولان. وإذا كان متوجها إلى مال الصبي ، هل ذلك منسوخ أم لا؟ قولان. وإذا لم يكن منسوخا ، فهل يكون تفصيلا بالنسبة إلى الأكل أو المأكول؟ قولان. فإذا كان بالنسبة إلى الأكل ، فهل يختص بولي الأب ، أو بالمسافر ، أو بالمضطر ، أو بالمشتغل بذلك عن مهمات نفسه؟ أقوال. وإذا كان بالنسبة للمأكول ، فهل يختص بالتافه أم يتعدّى إلى غيره؟ قولان. وإذا تعدّى إلى غيره ، فهل يكون أجرة أم لا؟ قولان. وإذا لم يكن أجرة فأخذ ، فهل يترتب دينا في ذمته يجب قضاؤه إذا أيسر أم لا؟ قولان. ودلائل هذه الأقوال مذكورة في مسائل الخلاف. ولفظه فليستعفف أبلغ من فليعف ، لأن فيه طلب زيادة العفة.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٠.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٨٨.