والظاهر : تعلق في بطونهم بيأكلون ، وقاله الحوفي. وقال أبو البقاء : هو في موضع الحال من قوله : نارا. ونبّه بقوله : في بطونهم على نقصهم ، ووصفهم بالشره في الأكل ، والتهافت في نيل الحرام بسبب البطن. وأين يكون هؤلاء من قول الشاعر؟!
تراه خميص البطن والزاد حاضر
وقول الشنفري :
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن |
|
بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل |
وظاهر قوله : نارا أنهم يأكلون نارا حقيقة. وفي حديث أبي سعيد عن ليلة الإسراء قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رأيت قوما لهم مشافر كمشافر الإبل ، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صحرا من نار يخرج من أسافلهم ، فقلت : يا جبريل من هؤلاء؟ قال : هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما وبأكلهم النار حقيقة» قالت طائفة : وقيل : هو مجاز ، لما كان أكل مال اليتيم يجر إلى النار والتعذيب ، بها عبر عن ذلك بالأكل في البطن ، ونبه على الحامل على أخذ المال وهو البطن الذي هو أخس الأشياء التي ينتفع بالمال لأجلها ، إذ مآل ما يوضع فيه إلى الاضمحلال والذهاب في أقرب زمان. ولذلك قال : «ما ملأ الإنسان وعاء شرا من بطنه».
وقرأ الجمهور : وسيصلون مبنيا للفاعل من الثلاثي. وقرأ ابن عامر وأبو بكر : بضم الياء وفتح اللام مبنيا للمفعول من الثلاثي. وابن أبي عبلة : بضم الياء وفتح الصاد واللام مشدّدة مبنيا للمفعول. والصلا من : التسخن بقرب النار ، والإحراق إتلاف الشيء بالنار. وعبر بالصلا بالنار عن العذاب الدائم بها ، إذ النار لا تذهب ذواتهم بالكلية ، بل كما قال : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) (١) وهذا وعيد عظيم على هذه المعصية. وجاء يأكلون بالمضارع دون سين الاستقبال ، وسيصلون بالسين ، فإن كان الأكل للنار حقيقة فهو مستقبل ، واستغنى عن تقييده بالسين بعطف المستقبل عليه. وإن كان مجازا فليس بمستقبل ، إذ المعنى : يأكلون ما يجر إلى النار ويكون سببا إلى العذاب بها. ولما كان لفظ نار مطلقا في قوله : إنما يأكلون في بطونهم نارا ، قيد في قوله سعيرا ، إذ هو الجمر المتقد.
وتضمنت هذه الآيات من ضروب البيان والفصاحة. الطباق في : واحدة وزوجها ،
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٥٦.