واجبة قبل نزول الفرائض فنسخت. وادعى قوم وجوبها. وتتعلق من بمحذوف أي : يستحقون ذلك ، كما فصل من بعد وصية ، ويوصي في موضع الصفة ، وبها متعلق بيوصي ، وهو مضارع وقع موقع الماضي. والمعنى : من بعد وصية أوصى بها. ومعنى : أو دين ، لزمه. وقدم الوصية على الدين ، وإن كان أداء الدين هو المقدم على الوصية بإجماع اهتماما بها وبعثا على إخراجها ، إذ كانت مأخوذة من غير عوض شاقا على الورثة إخراجها مظنة للتفريط فيها ، بخلاف الدين. فإنّ نفس الوارث موطنة على أدائه ، ولذلك سوى بينها وبين الدين بلفظ : أو ، في الوجوب. أو لأنّ الوصية مندوب إليها في الشرع محضوض عليها ، فصارت للمؤمن كالأمر اللازم له. والدين لا يلزم أن يوجد ، إذ قد يكون على الميت دين وقد لا يكون ، فبدىء بما كان وقوعه كاللازم ، وأخر ما لا يلزم وجوده. ولهذه الحكمة كان العطف بأو ، إذ لو كان الدين لا يموت أحد إلا وهو راتب لازم له ، لكان العطف بالواو ، أو لأن الوصية حظ مساكين وضعاف ، والدين حظ غريم يطلبه بقوة. وله فيه مقال. قال الزمخشري : (فإن قلت) : ما معنى أو؟ (قلت) : معناها الإباحة ، وأنه إن كان أحدهما أو كلاهما قدم على قسمة الميراث كقولك : جالس الحسن ، أو ابن سيرين انتهى.
ودلت الآية على أن الميراث لا يكون إلا بعد إخراج ما وجب بالوصية أو الدين ، فدل على أنّ إخراج ما وجب بها سابق على الميراث ، ولم يدل على أنهما أسبق ما يخرج من مال الميت ، إذ الأسبق هو مؤنة تجهيزه من غسله وتكفينه وحمله ووضعه في قبره ، أو ما يحتاج إليه من ذلك. وقرأ الابنان وأبو بكر : يوصي فيهما مبنيا للمفعول ، وتابعهم حفص على الثاني فقط ، وقرأهما الباقون : مبنيا للفاعل.
(آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) قال ابن عباس والحسن : هو في الآخرة لا يدرون أي الوالدين أرفع درجة عند الله ليشفع في ولده ، وكذا الولد في والديه. وقال مجاهد وابن سيرين والسدي : معناه في الدّنيا ، أي : إذا اضطر إلى إنفاقهم للفاقة. ونحا إليه الزجاج ، وقد ينفقون دون اضطرار. وقال ابن زيد : في الدنيا والآخرة ، واللفظ يقتضي ذلك. وروي عن مجاهد : أقرب لكم نفعا في الميراث والشفاعة. وقال ابن بحر : أسرع موتا فيرثه الآخر. وقال ابن عيسى : أي فاقسموا الميراث على ما بين لكم من يعلم النفع والمصلحة ، فإنكم لا تدرون أنتم ذلك ، وقريب منه قول الزجاج. قال : معنى الكلام أنه تعالى قد فرض الفرائض على ما هو عنده حكمة ، ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم