(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) نزلت حين قال عمر عند ما نزل : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) (١) يا رب الآن حين زينتها. ولما ذكر تعالى أن (عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (٢) ذكر المآب وأنه خير من متاع الدنيا ، لأنه خير خال من شوب المضار ، وباق لا ينقطع. والهمزة في : أؤنبئكم ، الأولى همزة الاستفهام دخلت على همزة المضارعة. وقرىء في السبعة بتحقيق الهمزتين من غير إدخال ألف بينهما ، وبتحقيقهما ، وإدخال ألف بينهما ، وبتسهيل الثانية من غير ألف بينهما. ونقل ورش الحركة إلى اللام ، وحذف الهمزة. وبتسهيلها وإدخال ألف بينهما.
وفي هذه الآية تسلية عن زخارف الدنيا ، وتقوية لنفوس تاركها وتشريف الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، ولما قال : ذلك متاع ، فأفرد ، جاء : بخير من ذلكم ، فأفرد اسم الإشارة ، وإن كان هناك مشارا به إلى ما تقدّم ذكره ، وهو كثير. فهذا مشار به إلى ما أشير بذلك ، و : خير ، هنا أفعل التفضيل ، ولا يجوز أن يراد به خير من الخيور ، ويكون : من ذلكم ، صفة لما يلزم في ذلك من أن يكون ما رغبوا فيه بعضا مما زهدوا فيه.
(لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يحتمل أن يكون للذين متعلقا بقوله : بخير من ذلكم ، و : جنات ، خبر مبتدأ محذوف أي : هو جنات ، فتكون ذلك تبيينا لما أبهم في قوله : بخير من ذلكم. ويؤيد ذلك قراءة يعقوب : جنات ، بالجر بدلا من : بخير ، كما تقول : مررت برجل زيد ، بالرفع و : زيد بالجر ، وجوّز في قراءة يعقوب أن يكون : جنات ، منصوبا على إضمار : أعني ، ومنصوبا على البدل على موضع بخير ، لأنه نصب. ويحتمل أن يكون : للذين ، خبرا لجنات ، على أن تكون مرتفعة على الابتداء ، ويكون الكلام تم عند قوله : بخير من ذلكم ، ثم بين ذلك الخير لمن هو ، فعلى هذا العامل في : عند ربهم ، العامل في : للذين ، وعلى القول الأول العامل فيه قوله : بخير.
(خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) تقدّم تفسير هذا وما قبله.
(وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) بدأ أولا بذكر المقر ، وهو الجنات التي قال فيها (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) (٣) «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» ثم انتقل من ذكرها إلى ذكر ما يحصل به الأنس التامّ من الأزواج المطهرة ، ثم انتقل من ذلك إلى ما هو أعظم الأشياء وهو رضا الله عنهم ، فحصل بمجموع ذلك اللذة
__________________
(٢ ـ ١) سورة آل عمران : ٣ / ١٤.
(٣) سورة الزخرف : ٤٣ / ٧١.