على الحال المقدرة ، والعامل فيه يدخله ، وصاحب الحال هو ضمير المفعول في يدخله.
قال ابن عطية : وجمع خالدين على معنى من بعد أن تقدم الإفراد مراعاة للفظ من ، وعكس هذا لا يجوز انتهى. وما ذكر أنه لا يجوز من تقدم الحمل على المعنى ثم على اللفظ جائز عند النحويين ، وفي مراعاة الحملين تفصيل وخلاف مذكور في كتب النحو المطولة. وقال الزمخشري : وانتصب خالدين وخالدا على الحال. (فإن قلت) : هل يجوز أن يكونا صفتين لجنات ونارا؟ (قلت) : لا ، لأنهما جريا على غير من هما له ، فلا بد من الضمير وهو قولك : خالدين هم فيها ، وخالدا هو : فيها انتهى. وما ذكره ليس مجمعا عليه ، بل فرع على مذهب البصريين. وأما عند الكوفيين فيجوز ذلك ، ولا يحتاج إلى إبراز الضمير إذا لم يلبس على تفصيل لهم في ذلك ذكر في النحو. وقد جوز ذلك في الآية الزجاج والتبريزي أخذ بمذهب الكوفيين. وقرأ نافع وابن عامر : ندخله هنا ، وفي : ندخله نارا بنون العظمة. وقرأ الباقون : بالياء عائدا على الله تعالى. قال الراغب : ووصف الفوز بالعظم اعتبار يفوز الدّنيا الموصوف بقوله : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) (١) والصغير والقليل في وصفهما متقاربان.
(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) لما ذكر ثواب مراعي الحدود ذكر عقاب من يتعداها ، وغلظ في قسم المعاصي ، ولم يكتف بالعصيان بل أكد ذلك بقوله : ويتعدّ حدوده ، وناسب الختم بالعذاب المهين ، لأن العاصي المتعدّي للحدود برز في صورة من اغتر وتجاسر على معصية الله. وقد تقل المبالاة بالشدائد ما لم ينضم إليها الهوان ، ولهذا قالوا : المنية ولا الدنية. قيل : وأفرد خالدا هنا ، وجمع في خالدين فيها ، لأنّ أهل الطاعة أهل الشفاعة ، وإذا شفع في غيره دخلها ، والعاصي لا يدخل النار به غيره ، فبقي وحيدا انتهى.
وتضمنت هذه الآيات من أصناف البديع : التفصيل في : الوارث والأنصباء بعد الإبهام في قوله : للرجال نصيب الآية. والعدول من صيغة : يأمركم الله إلى يوصيكم ، لما في الوصية من التأكيد والحرص على اتباعها. والطباق في : للذكر مثل حظ الأنثيين ، وفي : من يطع ومن يعص ، وإعادة الضمير إلى غير مذكور لقوة الدلالة على ذلك في قوله : مما ترك أي : ترك الموروث. والتكرار في : لفظ كان ، وفي فريضة من الله ، أن الله ، وفي :
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٧٧.