وفيها دلالة على أن إدخال الاستثناء في الإيمان باطل ، لأنه رضيه منهم دون استثناء. انتهى.
قيل : ولا تدل على شيء من التزكية ولا من الاستثناء ، لأن قولهم : آمنا ، هو اعتراف بما أمروا به ، فلا يكون ذلك تزكية منهم لأنفسهم ، ولأن الاستثناء إنما هو فيما يموت عليه المرء ، لا فيما هو متصف به ، ولا قائل بأن الإيمان الذي يتصف به العبد يجوز الاستثناء فيه ، فإن ذلك محال عقلا.
وأعرب : الذين يقولون ، صفة وبدلا ومقطوعا لرفع أو لنصب ، ويكون ذلك من توابع : (الَّذِينَ اتَّقَوْا) (١) أو من توابع : العباد ، والأول أظهر.
(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) لما ذكر الإيمان بالقول ، أخبر بالوصف الدّال على حبس النفس على ما هو شاق عليها من التكاليف ، فصبروا على أداء الطاعة ، وعن اجتناب المحارم ، ثم بالوصف الدال على مطابقة الاعتقاد في القلب للفظ الناطق به اللسان ، فهم صادقون فيما أخبروا به من قولهم : (رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) وفي جميع ما يخبرون.
وقيل : هم الذين صدقت نياتهم ، واستقامت قلوبهم وألسنتهم في السر والعلانية ، وهذا راجع للقول الذي قبله ، ثم بوصف القنوت ، وتقدم تفسيره في قوله : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (٢) فأغنى عن إعادته ، ثم بوصف الإنفاق ، لأن ما تقدم هو من الأوصاف التي نفعها مقتصر على المتصف بها لا يتعدى ، فأتى في هذا بالوصف المتعدي إلى غيره ، وهو الإنفاق ، وحذفت متعلقات هذه الأوصاف للعلم بها ، فالمعنى : الصابرين على تكاليف ربهم ، والصادقين في أقوالهم ، والقانتين لربهم ، والمنفقين أموالهم في طاعته ، والمستغفرين الله لذنوبهم في الأسحار ولما ذكر أنهم رتبوا طلب المغفرة على الإيمان الذي هو أصل التقوى ، أخبر أيضا عنهم ، أنهم عند اتصافهم بهذه الأوصاف الشريفة ، هم مستغفرون بالأسحار ، فليسوا يرون اتصافهم بهذه الأوصاف الشريفة مما يسقط عنهم طلب المغفرة ، وخص السحر بالذكر ، وإن كانوا مستغفرين دائما ، لأنه مظنة الإجابة ، كما صح
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢١٢. وآل عمران : ٣ / ١٩٨ ، والأعراف : ٧ / ٢٠١ ؛ والرعد : ١٣ / ٣٥ والنحل : ١٦ / ٦٢٨ ؛ ومريم : ١٩ / ٧٢ والزمر : ٣٩ / ٢٠ و ٦١ و ٧٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١١٦ والروم : ٣٠ / ٢٦.