جمعا والتي نهى أن نأخذ منها هي المستبدل مكانها ، لا المستبدلة. إذ تلك هي التي أعطاها المال ، لا التي أراد استحداثها بدليل قوله : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) (١) وقال : وآتيتم إحداهن قنطارا ليدل على أن قوله : وآتيتم المراد منه ، وأتى كل واحد منكم إحداهن ، أي إحدى الأزواج قنطارا ، ولم يقل : وآتيتموهن قنطارا ، لئلا يتوهم أن الجميع المخاطبين أتوا الأزواج قنطارا. والمراد : آتى كل واحد زوجته قنطارا. فدل لفظ إحداهن على أن الضمير في : آتيتم ، المراد منه كل واحد واحد ، كما دل لفظ : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج على أن المراد استبدال أزواج مكان أزواج ، فأريد بالمفرد هنا الجمع لدلالة : وإن أردتم. وأريد بقوله : وآتيتم كل واحد واحد لدلالة إحداهن ، وهي مفردة على ذلك. وهذا من لطيف البلاغة ، ولا يدل على هذا المعنى بأوجز من هذا ولا أفصح. وتقدّم الكلام في قنطار في أول آل عمران (٢) والضمير في منه عائد على قنطار. وقرأ ابن محيصن : بوصل ألف إحداهن ، كما قرىء : إنها لإحدى الكبر بوصل الألف ، حذفت على جهة التحقيق كما قال :
وتسمع من تحت العجاج لها ازملا
وقال :
إن لم أقاتل فألبسوني برقعا
وظاهر قوله : فلا تأخذوا منه شيئا تحريم أخذ شيء مما آتاها إذا كان استبدل مكانها بإرادته. قالوا : وهذا مقيد بقوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ) (٣) قالوا : وانعقد عليه الإجماع. ويجري هذا المجرى المختلعة لأنها طابت نفسها أن تدفع للزوج ما افتدت به. وقال بكر بن عبد الله المزني : لا تأخذ من المختلعة شيئا لقوله : فلا تأخذوا منه شيئا وآية البقرة منسوخة بهذا ، وتقدّم الكلام في ذلك في سورة البقرة. وظاهر قوله : وآتيتم إحداهن قنطارا ، والنهي بعده يدل على عموم ما آتاها ، سواء كان مهرا أو غيره.
أفضى بعضكم إلى بعض لأن هذا لا يقتضي أن يكون الذي آتاها مهرا فقط ، بل المعنى : أنه قد صار بينهما من الاختلاط والامتزاج ما لا يناسب أن يأخذ شيئا مما آتاها ، سواء كان مهرا أو غيره. وقال أبو بكر الرازي : لا يمتنع أن يكون أول الخطاب عموما في
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٢١.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٤.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٤.