وطئ آباؤكم. وما وطئ يشمل الموطوءة بزنا وغيره ، والتقدير : ما وطئ آباؤكم إلا التي تقدم هو أي : وطؤها بزنا من آبائكم فانكحوهن. ومن جعل ما في قوله : ما نكح مصدرية كما قررناه ، قال : المعنى إلا ما تقدم منكم من تلك العقود الفاسدة فمباح لكم الإقامة عليه في الإسلام ، إذا كان مما تقرر الإسلام عليه. وقال الزمخشري : (فإن قلت) : كيف استثنى ما قد سلف من ما نكح آباؤكم؟ (قلت) : كما استثنى غير أن سيوفهم من قوله : ولا عيب فيهم. يعني : إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه ، فلا يحل لكم غيره ، وذلك غير ممكن. والغرض المبالغة في تحريمه وسد الطريق إلى إباحته ، كما يعلق بالمحال في التأبيد في نحو قولهم : حتى يبيض القار ، وحتى يلج الجمل في سم الخياط. انتهى كلامه. وقال الأخفش المعنى : فإنكم تعذبون به إلا ما قد سلف ، فقد وضعه الله عنكم.
وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، تقديره : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا إلا ما قد سلف ، وهذا جهل بعلم النحو ، وعلم المعاني. أما من حيث علم النحو فما كان في حيز أن لا يتقدم عليها ، وكذلك المستثنى لا يتقدم على الجملة التي هو من متعلقاتها بالاتصال أو الانقطاع ، وإن كان في هذا خلاف ولا يلتفت إليه. وأما من حيث المعنى فإنه أخبر أنه فاحشة ومقت في الزمان الماضي ، فلا يصح أن يستثنى منه الماضي ، إذ يصير المعنى هو فاحشة في الزمان الماضي ، إلا ما وقع منه في الزمان الماضي فليس بفاحشة ، وهذا معنى لا يمكن أن يقع في القرآن ، ولا في كلام عربي لتهافته. والذي يظهر من الآية أن كل امرأة نكحها أبو الرجل بعقد أو ملك فإنه يحرم عليه أن ينكحها بعقد أو ملك ، لأن النكاح ينطلق على الموطوءة بعقد أو ملك ، لأنه ليس إلا نكاح أو سفاح ، والسفاح هو الزنا ، والنكاح هو المباح ، وأشار إلى تحريم ذلك بقوله :
(إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) أي أن نكاح الأبناء نساء آبائهم هو فاحشة أي : بالغة في القبح. ومقت : أي يمقت الله فاعله ، قاله أبو سليمان الدمشقي. أو تمقته العرب أي : مبغض محتقر عندهم ، وكان ناس من ذوي المروءات في الجاهلية يمقتونه. قال أبو عبيدة وغيره : كانت العرب تسمي الولد الذي يجيء من زوج الوالد المقتى ، نسبة إلى المقت. ومن فسر الا ما قد سلف بالزنا جعل الضمير في أنه عائد عليه أي : انّ ما قد سلف من زنا الآباء كان فاحشة ، وكان يستعمل كثيرا بمعنى لم يزل ، فالمعنى : أنّ ذلك لم يزل فاحشة ، بل هو متصف بالفحش في الماضي والحال والمستقبل ، فالفحش وصف لازم له.