وقال المبرد : هي زائدة. ورد عليه بوجود الخبر ، إذ الزائدة لا خبر لها. وينبغي أن يتأول كلامه على أنّ كان لا يراد بها تقييد الخبر بالزمن الماضي فقط ، فجعلها زائدة بهذا الاعتبار.
وساء سبيلا هذه مبالغة في الذم ، كما يبالغ ببئس. فان كان فيها ضمير يعود على ما عاد عليه ضمير إنّه ، فانها لا تجري عليها أحكام بئس. وان الضمير فيها مبهما كما يزعم أهل البصرة فتفسيره سبيلا ، ويكون المخصوص بالذم إذ ذاك محذوفا التقدير : وبئس سبيلا سبيل هذا النكاح ، كما جاء بئس الشراب أي : ذلك الماء الذي كالمهل. وبالغ في ذم هذه السبيل ، إذ هي سبيل موصلة إلى عذاب الله. وقال البراء بن عازب : لقيت خالي ومعه الراية فقلت : أين تريد؟ قال : أرسلني رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده ان أضرب عنقه.
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) لما تقدم تحريم نكاح امرأة الأب على ابنه وليست أمه ، كان تحريم أمه أولى بالتحريم. وليس هذا من المجمل ، بل هذا مما حذف منه المضاف لدلالة المعنى عليه. لأنه إذا قيل : حرم عليك الخمر ، إنما يفهم منه شربها. وحرمت عليك الميتة أي : أكلها. وهذا من هذا القبيل ، فالمعنى : نكاح أمهاتكم. ولأنه قد تقدم ما يدل عليه وهو قوله : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (١).
وقال محمد بن عمر الرازي : فيها عندي بحث من وجوه : أحدها : أنّ بناء الفعل للمفعول لا تصريح فيه بأن المحرّم هو الله. وثانيها : أنّ حرمت لا يدل على التأبيد ، إذ يمكن تقسيمه إلى المؤبد والمؤقت. وثالثها : أنّ عليكم خطاب مشافهة ، فيختصّ بالحاضرين. ورابعها : أنّ حرمت ماض ، فلا يتناول الحال والمستقبل. وخامسها : أنه يقتضي أنه يحرم على كل أحد جميع أمهاتهم. وسادسها : أنّ حرمت يشعر ظاهره بسبق الحل ، إذ لو كان حراما لما قيل : حرمت. وثبت بهذه الوجوه أنّ ظاهر الآية وحده غير كاف في إثبات المطلوب انتهى ملخصا.
وهذه البحوث التي ذكرها لا تختص بهذا الموضع ولا طائل فيها ، إذ من البواعث على حذف الفاعل العلم به ، ومعلوم أنّ المحرّم هو الله تعالى. ألا ترى إلى آخر الآية وهو قوله : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (٢) وقال بعد :
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٢٢.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٢٣.