(وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (١) على قراءة من بناه للفاعل. ومتى جاء التحريم من الله فلا يفهم منه إلا التأبيد ، فإن كان له حالة إباحة نصّ عليها كقوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (٢) وأما أنه صيغة ماض فيخصه فالأفعال التي جاءت يستفاد منها الأحكام الشرعية ، وإن كانت بصيغة الماضي فإنها لا تخصه ، فإنها نظير أقسمت لأضربن زيدا لا يراد بها أنه صدر منه إقسام في زمان ماض. فإن كان الحكم ثابتا قبل ورود الفعل ففائدته تقرير ذلك الحكم الثابت ، وإن لم يكن ثابتا ففائدته إنشاء ذلك الحكم وتجديده. وأمّا أن الظاهر أنه يحرم على كلّ أحد جميع أمهاتهم فليس بظاهر ، ولا مفهوم من اللفظ. لأنّ عليكم أمهاتكم عام يقابله عام ، ومدلول العموم أن تقابل كل واحد بكلّ واحد واحد. أما أن يأخذ ذلك على طريق الجمعية فلا ، لأنها ليست دلالة العام. فإنما المفهوم : حرم على كل واحد واحد منكم كلّ واحدة ، واحدة من أم نفسه. والمعنى : حرم على هذا أمه. وعلى هذا أمّه والأمّ المحرّمة شرعا هي كل امرأة رجع نسبك إليها بالولادة من جهة أبيك ، أو من جهة أمك. ولفظ الأم حقيقة في التي ولدتك نفسه. ودلالة لفظ الأم على الجدّة إن كان بالتواطىء أو بالاشتراك ، وجاز حمله على المشتركين ، كان حقيقة ، وتناولها النص. وإن كان بالمجاز وجاز حمله على الحقيقة والمجاز ، فكذلك وإلا فيستفاد تحريم الجدّات من الإجماع أو من نصّ آخر.
وحرمة الأمهات والبنات كانت من زمان آدم عليهالسلام إلى زماننا هذا ، وذكروا أنّ سبب هذا التحريم : أنّ الوطء إذلال وامتهان ، فصينت الأمهات عنه ، إذ إنعام الأم على الولد أعظم وجوه الأنعام.
والبنت المحرّمة كل أنثى رجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو درجات بإناث أو ذكور ، وبنت البنت هل تسمى بنتا حقيقة ، أو مجازا الكلام فيها كالكلام في الجدة ، وقد كان في العرب من تزوج ابنته وهو حاجب بن زرارة تمجس ، ذكر ذلك : النضر بن شميل في كتاب المثالب.
(وَأَخَواتُكُمْ) الأخت المحرمة كل من جمعك وإياها صلب أو بطن.
(وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ) العمة : أخت الأب ، والخالة : أخت الأم. وخص تحريم العمات والخالات دون أولادهن. وتحرم عمة الأب وخالته وعمة الأم وخالتها ، وعمة
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٢٤.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٧٣.