وما من قوله : فما استمتعتم به منهن ، مبتدأ. ويجوز أن تكون شرطية ، والخبر الفعل الذي يليها ، والجواب : فآتوهن ، ولا بد إذ ذاك من راجع يعود على اسم الشرط. فإن كانت ما واقعة على الاستمتاع فالراجع محذوف تقديره : فأتوهن أجورهن من أجله أي : من أجل ما استمتعتم به. وإن كانت ما واقعة على النوع المستمتع به من الأزواج ، فالراجع هو المفعول بآتوهن وهو الضمير ، ويكون أعاد أولا في به على لفظ ما ، وأعاد على المعنى في : فآتوهن ، ومن في : منهن على هذا يحتمل أن يكون تبعيضا. وقيل : يحتمل أن يكون للبيان. ويجوز أن تكون ما موصولة ، وخبرها إذ ذاك هو : فآتوهن ، والعائد الضمير المنصوب في : فآتوهن إن كانت واقعة على النساء ، أو محذوف إن كانت واقعة على الاستمتاع على ما بين قبل.
والأجور : هي المهور. وهذا نص على أنّ المهر يسمى أجرا ، إذ هو مقابل لما يستمتع به. وقد اختلف في المعقود عليه بالنكاح ما هو؟ أهو بدن المرأة ، أو منفعة العضو ، أو الكل؟ وقال القرطبي : الظاهر المجموع ، فإن العقد يقتضي كل هذا. وإن كان الاستمتاع هنا المتعة ، فالأجر هنا لا يراد به المهر بل العوض كقوله : (لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) (١) وقوله : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) (٢) وظاهر الآية : أنه يجب المسمى في النكاح الفاسد لصدق قوله : فما استمتعتم به منهن عليه جمهور العلماء ، على أنه لا يجب فيه إلا مهر المثل ، ولا يجب المسمى. والحجة لهم : «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها مهر مثلها» وانتصب فريضة على الحال من أجورهن ، أو مصدر على غير الصدر. أي : فآتوهن أجورهن إيتاء ، لأن الإيتاء مفروض. أو مصدر مؤكد أي ؛ فرض ذلك فريضة.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) لما أمروا بإيتاء أجور النساء المستمتع بهن ، كان ذلك يقتضي الوجوب ، فأخبر تعالى أنه لا حرج ولا إثم في نقص ما تراضوا عليه ، أو رده ، أو تأخره. أعني : الرجال والنساء من بعد الفريضة. فلها إن ترده عليه ، وإن تنقص ، وإن تؤخر ، هذا ما يدل عليه سياق الكلام. وهو نظير (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٢٥.
(٢) سورة الكهف : ١٨ / ٧٧.