سبيل ابتداع أمر الله ، بيّن أنّ من لا يفعل ذلك قسمان. أحدهما : البخيل الذي لا يقدم على إنفاق المال البتة حتى أفرط في ذلك وأمر بالبخل. والثاني : الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ، لا لغرض أمر الله وامتثاله وطاعته. وذمّ تعالى القسمين بأن أعقب القسم الأول : وأعتدنا للكافرين ، وأعقب الثاني بقوله : (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً) (١).
والبخل أنواع : بخل بالمال ، وبخل بالعلم ، وبخل بالطعام ، وبخل بالسلام ، وبخل بالكلام ، وبخل على الأقارب دون الأجانب ، وبخل بالجاه ، وكلها نقائص ورذائل مذمومة عقلا وشرعا وقد جاءت أحاديث في مدح السماحة وذم البخل منها : «خصلتان لا يجتمعان في مؤمن : البخل وسوء الخلق» وظاهر قوله بالبخل أنه متعلق بقوله : ويأمرون ، كما تقول : أمرت زيدا بالصبر ، فالبخل مأمور به. وقيل : متعلق الأمر محذوف ، والباء في بالبخل حالية ، والمعنى : ويأمرون الناس بشكرهم مع التباسهم بالبخل ، فيكون نحو ما أشار إليه الشاعر بقوله :
أجمعت أمرين ضاع الحزم بينهما |
|
تيه الملوك وأفعال المماليك |
وقرأ الجمهور : بالبخل بضم الباء وسكون الخاء. وعيسى بن عمر والحسن : بضمهما. وحمزة الكسائي : بفتحهما ، وابن الزبير وقتادة وجماعة. بفتح الباء ، وسكون الخاء. وهي كلها لغات. قال الفرّاء : البخل مثقلة لأسد ، والبخل خفيفة لتميم ، والبخل لأهل الحجاز. ويخففون أيضا فتصير لغتهم ولغة تميم واحدة ، وبعض بكر بن وائل بقولون البخل قال جرير :
تريدين أن ترضي وأنت بخيلة |
|
ومن ذا الذي يرضي الأخلاء بالبخل |
وأنشدني المفضل :
وأوفاهم أوان بخل
وينشد هذا البيت بفتحتين وضمتين :
وإن امرأ لا يرتجى الخير عنده |
|
لذو بخل كل على من يصاحب |
واختلفوا في إعراب الذين يبخلون ، فقيل : هو في موضع نصب بدل من قوله : من كان. وقيل : من قوله مختالا فخورا. أفرد اسم كان ، والخبر على لفظ من ، وجمع الذين
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٣٨.