معنى ما يتعدّى لاثنين ، فانتصب مثقال على أنه مفعول ثان ، والأول محذوف التقدير : لا ينقص ، أو لا يغضب ، أو لا يبخس أحدا مثقال ذرة من الخير أو الشر ، (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً).
حذفت النون من تك لكثرة الاستعمال ، وكان القياس إثبات الواو ، لأن الواو إنما حذفت لالتقاء الساكنين. فكان ينبغي أنه إذا حذفت ترجع الواو ، ولأن الموجب لحذفها قد زال. ولجواز حذفها شرط على مذهب سيبويه وهو : أن تلاقي ساكنان ، فإن لاقته نحو : لم يكن ابنك قائما ، ولم يكن الرجل ذاهبا ، لم يجز حذفها. وأجازه يونس ، وشرط جواز هذا الحذف دخول جازم على مضارع معرب مرفوع بالضمة ، فلو كان مبنيا على نون التوكيد ، أو نون الإناث ، أو مرفوعا بالنون ، لم يجز حذفها.
وقرأ الجمهور : حسنة بالنصب ، فتكون ناقصة ، واسمها مستتر فيها عائد على مثقال. وأنث الفعل لعوده على مضاف إلى مؤنث ، أو على مراعاة المعنى ، لأن مثقال معناه زنة أي : وإن تك زنة ذرّة. وقرأ الحسن والحرميان : حسنة بالرفع على أن تك تامة ، التقدير : وإن تقع أو توجد حسنة. وقرأ الابنان : يضعفها مشدّدة من غير ألف. قال أبو علي : المعنى فيهما واحد ، وهما لغتان. ويدل على هذا قراءة من قرأ (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) (١) و (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) (٢). وقال أبو عبيدة في كتاب المجاز والطبري : ضاعف يقتضي مرارا كثيرة ، وضعف يقتضي مرتين ، وكلام العرب يقتضي عكس هذا. لأنّ المضاعفة تقتضي زيادة المثل ، فإذا شدّدت اقتضت البينة التكثير فوق مرتين إلى أقصى ما يزيد من العدد ، وقد تقدم لنا الكلام في هذا. وقال الزمخشري : يضاعف ثوابها لاستحقاقها ضده الثواب في كل وقت من الأوقات المستقبلة غير المتناهية. وورد تضعيف الحسنة لعشر أمثالها في كتاب الله ، وتضعيف النفقة إلى سبعمائة ، ووردت أحاديث بالتضعيف ألفا وألف ألف ، ولا تضاد في ذلك ، إذ المراد الكثرة لا التحديد. وإن أريد التحديد فلا تضاد أيضا ، لأن الموعود بذلك جميع المؤمنين ، ويختلف باختلاف الأعمال. وظاهر قوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة الآية أنها عامة في كل أحد ، وتخصيص ذلك بالمهاجرين غير ظاهر من لدنه أي : من عنده على سبيل التفضل. قال الزمخشري : سماه أجرا لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته. انتهى قال ابن مسعود وابن جبير وابن زيد الأجر : هنا الجنة. وقيل : لا حد له ولا عد.
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٠.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٤٥.