فَاغْسِلُوا) (١) الآية أي أبيح لهم أن يؤخروا الصلاة حتى يزول السكر ، ثم نسخ ذلك فأمروا بالصلاة على كل حال ، ثم نسخ شرب الخمر بقوله : (فَاجْتَنِبُوهُ) (٢) ولم ينزل الله هذه الآية في إباحة الخمر فلا تكون منسوخة ، ولا أباح بعد إنزالها مجامعة الصلاة مع السكر. ووجه قول ابن عباس : أنّ مفهوم الخطاب يدل على جواز السكر ، وإنما حرم قربان الصلاة في تلك الحال ، فنسخ ما فهم من جواز الشرب والسكر بتحريم الخمر.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هي : أنه لما أمر تعالى بعبادة الله والإخلاص فيها ، وأمر ببرّ الوالدين ومكارم الأخلاق ، وذم البخل واستطرد منه إلى شيء من أحوال القيامة ، وكان قد وقع من بعض المسلمين تخليط في الصلاة التي هي رأس العبادة بسبب شرب الخمر ، ناسب أن تخلص الصلاة من شوائب الكدر التي يوقعها على غير وجهها ، فأمر تعالى بإتيانها على وجهها دون ما يفسدها ، ليجمع لهم بين إخلاص عبادة الحق ومكارم الأخلاق التي بينهم ، وبين الخلق والخطاب بقوله : يا أيها الذين آمنوا للصاحين ، لأن السكران إذا عدم التمييز لسكره ليس بمخاطب ، لكنه مخاطب إذا صحا بامتثال ما يجب عليه ، وبتكفيره ما أضاع في وقت سكره من الأحكام التي تقرّر تكليفه إياها قبل السكر ، وليس في هذا تكليف ما لا يطاق على ما ذهب إليه بعض الناس.
وبالغ تعالى في النهي عن أن يصلّي المؤمن وهو سكران بقوله : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) لأن النهي عن قربان الصلاة أبلغ من قوله : لا تصلوا وأنتم سكارى ومنه : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) (٣) (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) (٤) (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) (٥) والمعنى : لا تغشوا الصلاة. وقيل : هو على حذف مضاف أي : لا تقربوا مواضع الصلاة لقوله : ولا جنبا إلا عابري سبيل على أحد التأويلين في عابري سبيل ، وسيأتي إن شاء الله. ومواضع الصلاة هي المساجد لقوله صلىاللهعليهوسلم : «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم».
والجمهور على أن المراد : وأنتم سكارى من الخمر. وقال الضحاك : المراد السكر من النوم ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم ، فإنه لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه» وقال عبيدة السلماني : المراد بقوله وأنتم سكارى إذا
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٦.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٩.
(٣) سورة الإسراء : ١٧ / ٣٢.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ١٥١.
(٥) سورة الأنعام : ٦ / ١٥٢.