الماء لخوف عدو ، أو سبع ، أو عدم آلة استقاء ، أو إرهاق في مكان لا ماء فيه ، أو غير ذلك مما لا يكثر كثرة المرض والسفر انتهى. وفيه تفسيره : أو لمستم النساء أنه أريد به الجماع الذي تترتب عليه الجنابة ، فسر ذلك على مذهب أبي حنيفة ، ولم ينقل غيره من المذاهب. وملخص ما طول به : أنه اعتذر عن تقديم المرض والسفر بما ذكر. ومن يحمل اللمس على ظاهره يقول : إن هذا من باب الترقي من الأقل إلى الأكثر ، لأن حالة المرض أقل من حالة السفر ، وحالة السفر أقل من حالة قضاء الحاجة ، وحالة قضاء الحاجة أقل من حالة لمس المرأة. ألا ترى أن حالة الصحة غالبا أكثر من حال المرض ، وكذا في سائر البواقي؟.
قال أبو عبيدة والفراء : الصعيد التراب. وقال الليث : الصعيد الأرض المستوية لا شيء فيها من غراس ونبات ، وهو قول قتادة ، قال : الصعيد الأرض الملساء. وقال الخليل : الصعيد ما صعد من وجه الأرض ، يريد وجه الأرض. وقال الزجاج : الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره ، وإن كان صخرا لا تراب عليه زاد غيره : أو رملا ، أو معدنا ، أو سبخة. والطيب الطاهر وهذا تفسير طائفة ، ومذهب أبي حنيفة ومالك واختيار الطبري. ومنه (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) (١) أي طاهرين من أدناس المخالفات. وقال قوم : الطيب هنا الحلال ، قاله سفيان الثوري وغيره. وقال الشافعي وجماعة : الطيب المنبت ، وقاله ابن عباس لقوله تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ) (٢) فالصعيد على هذا التراب. وهؤلاء يجيزون التيمم بغير ذلك ، فمحل الإجماع هو أن يتيمم بتراب منبت طاهر غير منقول ولا مغصوب. ومحل المنع إجماعا هو : أن يتيمم على ذهب صرف ، أو فضة ، أو ياقوت ، أو زمرد ، وأطعمة كخبز ولحم ، أو على نجاسة ، واختلف في المعادن : فأجيز ، وهو مذهب مالك ، ومنع وهو مذهب الشافعي. وفي الملح ، وفي الثلج ، وفي التراب المنقول ، وفي المطبوخ كالآجر ، وعلى الجدار ، وعلى النبات ، والعود ، والشجر خلاف. وأجاز الثوري وأحمد بغبار اليد. وقال أحمد وأبو يوسف : لا يجوز إلا بالتراب والرمل ، والجمهور على إجازته بالسباخ ، إلا ابن راهويه. وأجاز ابن علية وابن كيسان التيمم بالمسك والزعفران.
وظاهر الكلام : أنّ التيمم مسح الوجه واليدين من الصعيد الطيب ، فمتى حصلت هذه الكيفية حصل التيمم. والعطف بالواو لا يقتضي ترتيبا بين الوجه واليدين والباء في بوجوهكم مما يعدى بها الفعل تارة ، وتارة بنفسه. حكى سيبويه : مسحت رأسه وبرأسه ،
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٣٢.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٥٨.