تفسير الم تر إلى الذين في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) (١) فأغنى عن إعادته.
والنصيب : الحظ. ومن الكتاب : يحتمل أن يتعلق بأوتوا ، ويحتمل أن يكون في موضع الصفة لنصيبا. وظاهر لفظ الذين أوتوا ، يشمل اليهود والنصارى ، ويكون الكتاب عبارة عن التوراة والإنجيل. وقيل : الكتاب هنا التوراة ، والنصيب قيل : بعض علم التوراة ، لا العمل بما فيها. وقيل : علم ما هو حجة عليهم منه فحسب. وقيل : كفرهم به. وقيل : علم نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم.
(يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) المعنى : يشترون الضلالة بالهدى ، كما قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) (٢).
قال ابن عباس : استبدلوا الضلالة بالإيمان. وقال مقاتل : استبدلوا التكذيب بالنبي بعد ظهوره بإيمانهم به قبل ظهوره واستنصارهم به انتهى. ودل لفظ الاشتراء على إيثار الضلالة على الهدى ، فصار ذلك بغيا شديدا عليهم ، وتوبيخا فاضحا لهم ، حيث هم عندهم حظ من علم التوراة والإنجيل ، ومع ذلك آثروا الكفر على الإيمان. وكتابهم طافح بوجوب اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل. وقيل : اشتراء الضلالة هنا هو ما كانوا يبذلون من أموالهم لأحبارهم على تثبيت دينهم قاله : الزجاج.
(وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) أي : لم يكفهم أن ضلوا في أنفسهم حتى تعلقت آمالهم بضلالكم أنتم أيها المؤمنون عن سبيل الحق ، لأنهم لما علموا أنهم قد خرجوا من الحق إلى الباطل كرهوا أن يكون المؤمنون مختصين باتباع الحق ، فأرادوا أن يضلوا كما ضلوا هم كما قال تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) (٣) وقرأ النخعي : وتريدون بالتاء باثنتين من فوق ، قيل : معناه وتريدون أيها المؤمنون أن تضلوا السبيل أي : تدعون الصواب في اجتنابهم ، وتحسبونهم غير أعداء الله. وقرىء : أن يضلوا بالياء وفتح الضاد وكسرها. (وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) فيه تنبيه على الوصف المنافي لوداد الخير للمؤمنين وهي العداوة. وفيه إشارة إلى التحذير منهم ، وتوبيخ على الاستنامة إليهم والركون ، والمعنى : أنه تعالى قد أخبر بعداوتهم للمؤمنين ، فيجب حذرهم كما قال تعالى :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٤٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٦ و ١٧٥.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٨٩.