وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (١) لكن تكرر هنا لما تضمن من مزيد : نقول : ورد بعضها. وانتصاب وليا ونصيرا قيل : على الحال. وقيل : على التمييز ، وهو أجود لجواز دخول من.
(مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) ظاهره الانقطاع في الإعراب عن ما قبله ، فيكون على حذف موصوف هو مبتدأ ، ومن الذين خبره ، والتقدير : من الذين هادوا قوم يحرّفون الكلم ، وهذا مذهب سيبويه ، وأبي عليّ ، وحذف الموصوف بعد من جائز وإن كانت الصفة فعلا كقولهم : منا ظعن ، ومنا أقام أي : منا نفر ظعن ، ومنا نفر أقام. وقال الشاعر :
وما الدهر إلا تارتان فمنهما |
|
أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح |
يريد : فمنهما تارة أموت فيها. وخرّجه الفرّاء على إضمار من الموصولة أي : من الذين هادوا من يحرفون الكلم ، وهذا عند البصريين لا يجوز. وتأولوا ما جاء مما يشبه هذا على أنه من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، قال الفرّاء : ومثله قول ذي الرّمة :
فظلوا ومنهم دمعه سابق لها |
|
وآخر يثني دمعة العين باليد |
وهذا لا يتعين أن يكون المحذوف موصولا ، بل يترجح أن يكون موصوفا لعطف النكرة عليه وهو آخر ، إذ يكون التقدير : فظلوا ومنهم عاشق دمعه سابق لها. وقيل : هو على إضمار مبتدأ التقدير : هم من الذين هادوا ، ويحرفون حال من ضمير هادوا ، ومن الذين هادوا متعلق بما قبله ، فقيل : بنصيرا أي نصيرا من الذين هادوا ، وعداه بمن كما عداه في : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) (٢) و (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ) (٣) أي ومنعناه وفمن يمنعنا. وقيل : من الذين هادوا بيان لقوله : بأعدائكم ، وما بينهما اعتراض. وقيل : حال من الفاعل في يريدون قاله أبو البقاء. قال : ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في أوتوا لأن شيئا واحدا لا يكون له أكثر من حال واحدة ، إلا أن يعطف بعض الأحوال على بعض ، ولا يكون حالا من الذين لهذا المعنى انتهى. وما ذكره من أن ذا الحال إذا لم يكن متعددا لا يقتضي أكثر من حال واحدة ، مسئلة خلاف فمن النحويين من أجاز ذلك. وقيل : من الذين هادوا بيان (الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) (٤) لأنهم يهود ونصارى ، وقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) (٥) (وَكَفى بِاللهِ
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٦.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٧٧.
(٣) سورة غافر : ٤٠ / ٢٩.
(٤) سورة آل عمران : ٣ / ٢٣ ، وسورة النساء : ٤ / ٤٤ و ٥١.
(٥) سورة النساء : ٤ / ٤٥.