علم أصول الدين. وقد رامت المعتزلة والمرجئة ردّ هذه الآية إلى مقالاتهما بتأويلات لا تصح ، وهي منافية لما دلت عليه الآية.
قال الزمخشري : (فإن قلت) : قد ثبت أن الله عزّ وعلا يغفر الشرك لمن تاب منه ، وأنه لا يغفر ما دون الشرك من الكبائر إلا بالتوبة ، فما وجه قوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء؟ (قلت) : الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله : لمن يشاء كأنه قيل : إنّ الله لا يغفر لمن يشاء الشرك ، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك. على أن المراد بالأول من لم يتب ، وبالثاني من تاب. ونظيره قولك : إنّ الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يستأهله انتهى كلامه. فتأول الآية على مذهبه. وقوله : قد ثبت أن الله عز وعلا يغفر الشرك لمن تاب عنه ، هذا مجمع عليه. وقوله : وإنه لا يغفر ما دون الشرك من الكبائر إلا بالتوبة. فنقول له : وأين ثبت هذا؟ وإنما يستدلون بعمومات تحتمل التخصيص ، كاستدلالهم بقوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) (١) الآية ، وقد خصصها ابن عباس بالمستحل ذلك وهو كافر. وقوله : قال : فجزاؤه إن جازاه الله. وقال : الخلود يراد به المكث الطويل لا الديمومة لا إلى نهاية ، وكلام العرب شاهد بذلك. وقوله : إن الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله : لمن يشاء ، إن عنى أنّ الجار يتعلق بالفعلين ، فلا يصح ذلك. وإن عنى أن يقيد الأول بالمشيئة كما قيد الثاني فهو تأويل. والذي يفهم من كلامه أنّ الضمير الفاعل في قوله : يشاء عائد على من ، لا على الله. لأن المعنى عنده : أنّ الله لا يغفر الشرك لمن يشاء أن لا يغفر له بكونه مات على الشرك غير تائب منه ، ويغفر ما دون الشرك من الكبائر لمن يشاء أن يغفر له بكونه تاب منها. والذي يدل عليه ظاهر الكلام أنه لا قيد في الفعل الأول بالمشيئة ، وإن كانت جميع الكائنات متوقفا وجودها على مشيئته على مذهبنا. وأنّ الفاعل في يشاء هو عائد على الله تعالى ، لا على من ، والمعنى : ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء أن يغفر له. وفي قوله تعالى : لمن يشاء ، ترجئة عظيمة بكون من مات على ذنب غير الشرك لانقطع عليه بالعذاب ، وإن مات مصرّا.
قال عبد الله بن عمر : كنا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا مات الرجل على كبيرة شهدنا له أنه من أهل النار ، حتى نزلت هذه الآية ، فأمسكنا عن الشهادات. وفي حديث عبادة بن الصامت في آخره «ومن أصاب شيئا من ذلك أي ـ من المعاصي التي تقدّم ذكرها ـ فستره
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٩٣.