(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) (١) الآيات فبعث بها إليهم ، فدخلوا في الإسلام ، فقبل منهم ثم قال لوحشي : «أخبرني كيف قتلت حمزة؟» فلما أخبره قال : «ويحك غيّب عني وجهك» فلحق وحشي بالشام إلى أن مات.
وأجمع المسلمون على تخليد من مات كافرا في النار ، وعلى تخليد من مات مؤمنا لم يذنب قط في الجنة. فأما تائب مات على توبته فالجمهور : على أنه لاحق بالمؤمن الذي لم يذنب ، وطريقة بعض المتكلمين أنه في المشيئة. وأما مذنب مات قبل توبته فالخوارج تقول : هو مخلد في النار سواء كان صاحب كبيرة أم صاحب صغيرة. والمرجئة تقول : هو في الجنة بإيمانه ولا تضره سيئاته. والمعتزلة تقول : إن كان صاحب كبيرة خلد في النار. وأما أهل السنة فيقولون : هو في المشيئة ، فإن شاء غفر له وأدخله الجنة من أول وهلة ، وإن شاء عذبه وأخرجه من النار وأدخله الجنة بعد مخلدا فيها.
وسبب هذا الاختلاف تعارض عمومات آيات الوعيد وآيات الوعد ، فالخوارج جعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كافرين ومؤمنين غير تائبين. وآيات الوعد مخصوصة في المؤمن الذي لم يذنب قط ، أو المذنب التائب. والمرجئة جعلوا آيات الوعيد مخصوصة في الكفار ، وآيات الوعد مخصوصة في المؤمن تقيهم وعاصيهم. وأهل السنة خصصوا آيات الوعيد بالكفرة ، وبمن سبق في علمه أنه يعذبه من المؤمنين العصاة ، وخصصوا آيات الوعد بالمؤمن الذي لم يذنب ، وبالتائب ، وبمن سبق في علمه العفو عنه من المؤمنين العصاة. والمعتزلة خصصوا آيات الوعد بالمؤمن الذي لم يذنب ، وبالتائب. وآيات الوعيد بالكافر وذي الكبيرة الذي لم يتب.
وهذه الآية هي الحاكمة بالنص في موضع النزاع ، وهي جلت الشك ، وردّت على هذه الطوائف الثلاث. فقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ، والمعنى : أنّ من مات مشركا لا يغفر له ، هو أصل مجمع عليه من الطوائف الأربع. وقوله : ويغفر ما دون ذلك ، راد على الخوارج وعلى المعتزلة ، لأن ما دون ذلك عام تدخل فيه الكبائر والصغائر. وقوله : لمن يشاء رادّ على المرجئة ، إذ مدلوله أنّ غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم على ما شاء تعالى ، بخلاف ما زعموه بأن كل مؤمن مغفور له. وأدلة هؤلاء الطوائف مذكورة في
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٥٣.