والهمزة فبل : للانتقال من كلام إلى كلام ، والهمزة للاستفهام الذي يصحبه الإنكار. أنكر عليهم أولا البخل ، ثم ثانيا الحسد. فالبخل منع وصول خير من الإنسان إلى غيره ، والحسد تمنّي زوال ما أعطى الله الإنسان من الخير وإيتاؤه له. نعى الله تعالى عليهم تحليهم بهاتين الخصلتين الذميمتين ، ولمّا كان الحسد شر الخصلتين ترقى إلى ذكره بعد ذكر البخل. والناس هنا النبي صلىاللهعليهوسلم ، والفضل النبوة ، قاله : ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، والضحاك ، ومقاتل.
وقال ابن عباس ، والسدي أيضا : والفضل ما أبيح له من النساء. وسبب نزول الآية عندهم أنّ اليهود قالت لكفار العرب : انظروا إلى هذا الذي يقول أنه بعث بالتواضع ، وأنه لا يملأ بطنه طعاما ، ليس همه إلا في النساء ونحو هذا ، فنزلت. والمعنى : لم تخصونه بالحسد ، ولا تحسدون آل إبراهيم ـ يعني ـ : سليمان وداود في أنهما أعطيا النبوة والكتاب ، وأعطيا مع ذلك ملكا عظيما في أمر النساء ، وهو ما روي أنه كان لسليمان سبعمائة امرأة وثلاثمائة سرية ، ولداود مائة امرأة. فالملك في هذه القول إباحة النساء ، كأنه المقصود أولا بالذكر. وقال قتادة : الناس هنا العرب حسدتها بنو إسرائيل إن كان الرسول منها ، والفضل هنا الرسول. والمعنى : لم يحسدون العرب على هذا النبي وقد أوتي أسلافهم أنبياء. وكتبا كالتوراة والزبور ، وحكمة وهي الفهم في الدين مما لم ينص عليه الكتاب؟ وروي عن ابن عباس أنه قال : نحن الناس يريد قريشا.
(فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) أي ملك سليمان قاله : ابن عباس. وقال مجاهد : هو النبوّة. وقال همام بن الحرث وأبو مسلمة وابن زيد هو التأييد بالملائكة. وقيل : الناس هنا الرسول ، وأبو بكر ، وعمر. والكتاب : التوراة والإنجيل أو هما ، والزبور أقوال ، والحكمة النبوّة قاله : السدي ومقاتل. أو الفقه في الدين قاله أبو سليمان الدمشقي. وقيل : الملك العظيم هو الجمع بين سياسة الدنيا وشرع الدين ذكره الماوردي. وقال الزمخشري : أم يحسدونهم على ما آتاهم الله من فضله النصرة والغلبة وازدياد العز والتقدم كل يوم ، فقد آتينا الزام لهم بما عرفوه من إيتاء الله الكتاب والحكمة آل إبراهيم الذين أسلاف محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأنه ليس ببدع أن يؤتيه الله مثل ما أوتي أسلافه. وعن ابن عباس : الملك في آل إبراهيم ملك يوسف ، وداود ، وسليمان ، انتهى كلامه. وهو كلام حسن.