(كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) انتصاب كل على الظرف لأنه مضاف إلى ما المصدرية الظرفية ، والعامل فيه بدلناهم ، وهي جملة فيها معنى الشرط ، وهي في موضع الحال ، والعامل فيها نصليهم. والتبديل على معنيين : تبديل في الصفات مع بقاء العين ، وتبديل في الذوات بأن تذهب العين وتجيء مكانها عين أخرى ، يقال : هذا بدل هذا. والظاهر في الآية هذا المعنى الثاني. وأنه إذا نضج ذلك الجلد وتهرى وتلاشى جيء بجلد آخر مكانه ، ولهذا قال : جلودا غيرها. قال السدي : إن الجلود تخلق من اللحم ، فإذا أحرق جلد بدله الله من لحم الكافر جلدا آخر. وقيل : هي بعينها تعاد بعد إحراقها ، كما تعاد الأجساد بعد البلى في القبور ، فيكون ذلك عائدا إلى الصفة ، لا إلى الذات. وقال الفضيل : يجعل النضيج غير نضيج. وقيل : تبدل كل يوم سبع مرات. وقال الحسن : سبعين. وأبعد من ذهب إلى أن الجلود هي سرابيل من قطران تخالط جلودهم مخالطة لا يمكن إزالتها. فيبدل الله تلك السرابيل كل يوم مائة مرة. أو كما قيل : مائة ألف مرة. وسميت جلودا لملابستها الجلود. وأبعد أيضا من ذهب إلى أن هذا استعاره عن الدوام ، كلما انتهى فقد ابتدأ من أوله ، يعني : كلما ظنوا أنهم نضجوا واحترقوا وانتهوا إلى الهلاك أعطيناهم قوة جديدة من الحياة ، بحيث ظنوا أنهم الآن حدثوا ووجدوا ، فيكون المقصود بيان دوام العذاب وعدم انقطاعه. وقال ابن عباس : يلبسهم الله جلودا بيضاء كأنها قراطيس. وقال عبد العزيز بن يحيى : يلبس أهل النار جلودا تؤلمهم ولا تؤلم هي.
(لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) أي ذلك التبديل كلما نضجت الجلود ، هو ليذوقوا ألم العذاب. وأتي بلفظ الذوق المشعر بالإحسان الأول وهو آلم ، فجعل كلما وقع التبديل كان لذوق العذاب بخلاف من تمرن على العذاب. وقال الزمخشري : ليذوقوا العذاب ليدوم لهم دونه ولا ينقطع ، كقولك للعزيز : أعزك الله أي أدامك على عزك ، وزادك فيه.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) أي عزيزا لا يغالب ، حكيما يضع الأشياء مواضعها. وقال الزمخشري : عزيز لا يمتنع عليه شيء مما يريده بالمجرمين ، حكيما لا يعذب إلا بعدل من يستحقه.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧)