(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) لما ذكر تعالى وعيد الكفار أعقب بوعد المؤمنين ، وجاءت جملة الكفار مؤكدة بأن على سبيل تحقيق الوعيد المؤكد ، ولم يحتج إلى ذلك في جملة المؤمنين ، وأتى فيها بالسين المشعرة بقصر مدة التنفيس على سبيل تقريب الخير من المؤمن وتبشيره به.
(لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) تقدم تفسير مثل هذا.
(وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) قال ابن عطية : أي يقي من الحر والبرد. ويصح أن يريد أنه ظل لا ينتقل ، كما يفعل ظل الدنيا فأكده بقوله : ظليلا لذلك ويصح أن يصفه بظليل لامتداده ، فقد قال عليهالسلام : «إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة ما يقطعها» انتهى كلامه. وقال أبو مسلم الظليل : هو القوي المتمكن. قال : ونعت الشيء بمثل ما اشتق من لفظه يكون مبالغة كقولهم : ليل أليل ، وداهية دهياء. وقال أبو عبد الله الرازي : وإنما قال ظلا ظليلا لأن بلاد العرب في غاية الحرارة ، فكان الظل عندهم من أعظم أسباب الراحة ، ولهذا المعنى جعل كناية عن الراحة ووصفه بالظليل مبالغة في من أعظم أسباب الراحة ، ولهذا المعنى جعل كناية عن الراحة ووصفه بالظليل مبالغة في الراحة. وقال الزمخشري : ظليل صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه ، كما يقال : ليل أليل ، ويوم أيوم ، وما أشبه ذلك وهو ما كان فينانا لا جوب فيه ، ودائما لا تنسخه الشمس. وسجسجا لا حرّ فيه ولا برد ، وليس ذلك إلا ظل الجنة رزقنا الله بتوفيقه ما يزلف إليه التفيؤ تحت ذلك الظل. وفي قراءة عبد الله : سيدخلهم بالياء انتهى. وقال الحسن : قد يكون ظل ليس بظليل يدخله الحر والشمس ، فلذلك وصف ظل الجنة بأنه ظليل. وعن الحسن : ظل أهل الجنة يقي الحر والسموم ، وظل أهل النار من يحموم لا بارد ولا كريم. ويقال : إنّ أوقات الجنة كلها سواء اعتدال ، لا حر فيها ولا برد. وقرأ النخعي وابن وثاب : سيدخلهم بالياء ، وكذا ويدخلهم ظلا ، فمن قرأ بالنون وهم الجمهور فلاحظ قوله في وعيد الكفار : (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ) (١) ومن قرأ بالياء لاحظ قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) (٢) فأجراه على الغيبة.
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة أنواعا من الفصاحة والبيان والبديع. الاستفهام الذي يراد به التعجب في : ألم تر في الموضعين. والخطاب العام ويراد به الخاص في : يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا وهو دعاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ابن صوريا وكعبا وغيرهما من
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٥٦.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٥٦.