ومعنى الآية : أنه تعالى لو فرض عليهم أن يقتلوا أنفسهم ، إمّا أن يقتل نفسه بيده ، أو يقتل بعضهم بعضا ، أو أن يخرجوا من ديارهم كما فرض ذلك على بني إسرائيل حين استتيبوا من عبادة العجل لم يطع منهم إلا القليل ، وهذا فيه توبيخ عظيم حيث لا يمتثل أمر الله إلا القليل. وقال السبيعي : لما نزلت قال رجل : لو أمرنا لفعلنا ، والحمد لله الذي عافانا. فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «إنّ من أمتي رجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي» قال ابن وهب : الرجل القائل ذلك هو أبو بكر. وروي عنه أنه قال : لو كتب علينا ذلك لبدأت بنفسي وأهل بيتي. وذكر النقاش : أنه عمر. وذكر أبو الليث السمرقندي : أن القائل منهم عمار ، وابن مسعود ، وثابت بن قيس.
والضمير في عليهم قيل : يعود على المنافقين ، أي : ما فعله إلا قليل منهم رياء وسمعة ، وحينئذ يصعب الأمر عليهم وينكشف كفرهم. وقيل : يعود على الناس مؤمنهم ومنافقهم. وكسر النون من أن ، وضم الواو من أو ، أبو عمرو. وكسرهما حمزة وعاصم ، وضمهما باقي السبعة. وأن هنا يحتمل أن تكون تفسيرية ، وأن تكون مصدرية على ما قرروا أنّ أن توصل بفعل الأمر.
وفي الآية دليل على صعوبة الخروج من الديار ، إذ قرنه الله تعالى بقتل الأنفس ، وقد خرج الصحابة المهاجرون من ديارهم وفارقوا أهاليهم حين أمرهم الله تعالى بالهجرة ، وارتفع قليل ، على البدل من الواو في فعلوه على مذهب البصريين ، وعلى العطف على الضمير على قول الكوفيين ، وبالرفع قرأ الجمهور. وقرأ أبيّ ، وابن أبي إسحاق ، وابن عامر ، وعيسى بن عمر : إلا قليلا بالنصب ، ونص النحويون على أن الاختيار في مثل هذا التركيب اتباع ما بعد إلا لما قبلها في الإعراب على طريقة البدل أو العطف ، باعتبار المذهبين اللذين ذكرناهما.
وقال الزمخشري : وقرىء إلا قليلا بالنصب على أصل الاستثناء ، أو على إلا فعلا قليلا انتهى. إلا ما النصب على أصل الاستثناء فهو الذي وجه الناس عليه هذه القراءة. وأما قوله : على إلا فعلا قليلا فهو ضعيف لمخالفة مفهوم التأويل قراءة الرفع ، ولقوله منهم فإنه تعلق على هذا التركيب : لو قلت ما ضربوا زيدا إلا ضربا قليلا منهم لم يحسن أن يكون منهم لا فائدة في ذكره. وضمير النصب في فعلوه عائد على أحد المصدرين المفهومين من قوله : أن اقتلوا أو اخرجوا. وقال أبو عبد الله الرازي : الكناية في قوله ما فعلوه عائد على