أخبر تعالى أنّ محمدا هو خاتم النبيين. وقال هو صلىاللهعليهوسلم : «لا نبي بعدي». وأما من جهة النحو فما قبل فاء الجزاء لا يعمل فيما بعدها ، لو قلت : إن تقم هند فعمرو ذاهب ضاحكة ، لم يجز.
واختلفوا في الأوصاف الثلاثة التي بعد النبيين. فقال بعضهم : كلها أوصاف لموصوف واحد ، وهي صفات متداخلة ، فإنه لا يمتنع في الشخص الواحد أن يكون صديقا وشهيدا وصالحا. وقيل : المراد بكل وصف صنف من الناس. فأما الصديق فهو فعيل للمبالغة كشريب. فقيل : هو الكثير الصدق ، وقيل : هو الكثير الصدقة. وللمفسرين في تفسيره وجوه : الأول : أنّ كل من صدق بكل الذي لا يتخالجه فيه شك فهو صديق لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) (١). الثاني : أفاضل أصحاب الرسول. الثالث : السابق إلى تصديق الرسول. فصار في ذلك قدوة لسائر الناس. وأما الشهيد : فهو المقتول في سبيل الله ، المخصوص بفضل الميتة. وفرق الشرع حكمهم في ترك الغسل والصلاة ، لأنهم أكرم من أن يشفع فيهم. وقد تقدم الكلام في كونهم سموا شهداء ، ولكن لفظ الشهداء في الآية يعم أنواع الشهداء الذين ذكرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقال أبو عبد الله الرازي : لا يجوز أن تكون الشهادة مفسرة بكون الإنسان مقتول الكافر ، بل نقول : الشهيد فعيل بمعنى فاعل ، وهو الذي يشهد لدين الله تارة بالحجة بالبيان ، وتارة بالسيف والسنان. فالشهداء هم القائمون بالقسط ، وهم الذين ذكرهم الله في قوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (٢). والصالح : هو الذي يكون صالحا في اعتقاده وعمله. وجاء هذا التركيب على هذا القول على حسب التنزل من الأعلى إلى الأدنى ، إلى أدنى منه. وفي هذا الترغيب للمؤمنين في طاعة الله وطاعة رسوله ، حيث وعدوا بمرافقة أقرب عباد الله إلى الله ، وأرفعهم درجات عنده.
وقال الراغب : قسم الله المؤمنين في هذه الآية أربعة أقسام ، وجعل لهم أربعة منازل بعضها دون بعض ، وحث كافة الناس أن يتأخروا عن منزل واحد منهم : الأول : الأنبياء الذين تمدهم قوة الإلهية ، ومثلهم كمن يرى الشيء عيانا من قريب. ولذلك قال تعالى : (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) (٣). الثاني : الصديقون وهم الذين يزاحمون الأنبياء في المعرفة ،
__________________
(١) سورة الحديد : ٥٧ / ١٩.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٨.
(٣) سورة النجم : ٥٣ / ١٢.