يا رسول الله ، إذا مت ومتنا ، كنت في عليين فلا نراك ولا نجتمع بك ، وذكر حزنه على ذلك ، فنزلت. وحكى مكي عن عبد الله هذا أنه لما مات النبي صلىاللهعليهوسلم قال : اللهم اعمني حتى لا أرى شيئا بعده ، فعمي. والمعنى في مع النبيين : إنه معهم في دار واحدة ، وكل من فيها رزق الرضا بحاله ، وهم بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر ، وإن بعد مكانه.
وقيل : المعية هنا كونهم يرفعون إلى منازل الأنبياء متى شاؤوا تكرمة لهم ، ثم يعودون إلى منازلهم. وقيل : إنّ الأنبياء والصدّيقين والشهداء ينحدرون إلى من أسفل منهم ليتذاكروا نعمة الله ، ذكره المهدوي في تفسيره الكبير. قال أبو عبد الله الرازي : هذه الآية تنبيه على أمرين من أحوال المعاد : الأول : إشراق الأرواح بأنوار المعرفة. والثاني : كونهم مع النبيين. وليس المراد بهذه المعية في الدرجة ، فإنّ ذلك ممتنع ، بل معناه : إن الأرواح الناقصة إذا استكملت علائقها مع الأرواح الكاملة في الدنيا بقيت بعد المفارقة تلك العلائق ، فينعكس الشعاع من بعضها على بعض ، فتصير أنوارها في غاية القوة ، فهذا ما خطر لي انتهى كلامه. وهو شبيه بما قالته الفلاسفة في الأرواح إذا فارقت الأجساد. وأهل الإسلام يأبون هذه الألفاظ ومدلولاتها ، ولكن من غلب عليه شيء وحبه جرى في كلامه. وقوله : مع الذين أنعم الله عليهم ، تفسير لقوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (١) وهم من ذكر في هذه الآية. والظاهر أن قوله : من النبيين ، تفسير للذين أنعم الله عليهم. فكأنه قيل : من يطع الله ورسوله منكم ألحقه الله بالذين تقدمهم ممن أنعم عليهم. قال الراغب : ممن أنعم عليهم من الفرق الأربع في المنزلة والثواب : النبي بالنبي ، والصديق بالصديق ، والشهيد بالشهيد ، والصالح بالصالح. وأجاز الراغب أن يتعلق من النبيين بقوله : ومن يطع الله والرسول. أي : من النبيين ومن بعدهم ، ويكون قوله : فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم إشارة إلى الملأ الأعلى. ثم قال : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٢) ويبين ذلك قول النبي صلىاللهعليهوسلم حين الموت «اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى» وهذا ظاهر انتهى. وهذا الوجه الذي هو عنده ظاهر فاسد من جهة المعنى ، ومن جهة النحو. أما من جهة المعنى فإنّ الرسول هنا هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، أخبر الله تعالى أن من يطيعه ويطيع رسوله فهو مع من ذكر ، ولو كان من النبيين معلقا بقوله : ومن يطع الله والرسول ، لكان قوله : من النبيين تفسيرا لمن في قوله : ومن يطع. فيلزم أن يكون في زمان الرسول أو بعده أنبياء يطيعونه ، وهذا غير ممكن ، لأنه قد
__________________
(١) سورة الفاتحة : ١ / ٦.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٦٩.