والسيئة من الألفاظ المشتركة كالحيوان الذي يقع على الإنسان والفرس والحمار. ومن الأسماء المختلفة كالعين. فلو أنّ قائلا قال : الحيوان المتكلم والحيوان غير المتكلم ، وأراد بالأول الإنسان ، وبالثاني الفرس أو الحمار ، لم يكن متناقضا. وكذلك إذا قال : العين في الوجه ، والعين ليس في الوجه ، وأراد بالأولى الجارحة ، وبالثانية عين الميزان أو السحاب. وكذلك الآية أريد بهما في الأولى غير ما أريد في الثانية كما بيناه انتهى.
والذي اصطلح عليه الراغب بالمشتركة وبالمختلفة ليس اصطلاح الناس اليوم ، لأن المشترك هو عندهم كالعين ، والمختلفة هي المتباينة. والراغب جعل الحيوان من الأسماء المشتركة وهو موضوع للقدر المشترك ، وجعل العين من الأسماء المختلفة وهو في الاصطلاح اليوم من المشترك. قال بعض أهل العلم : والفرق بين من عند الله ، ومن الله : أنّ من عند الله أعم. يقال : فيما كان برضاه وبسخطه ، وفيما يحصل ، وقد أمر به ونهى عنه ، ولا يقال : هو من الله إلا فيما كان برضاه وبأمره ، وبهذا النظر قال عمر : إن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن الشيطان انتهى. وعنى بالنفس هنا المذكورة في قوله : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (١) وقرأت عائشة رضياللهعنها : فمن نفسك بفتح الميم ورفع السين ، فمن استفهام معناه الإنكار أي : فمن نفسك حتى ينسب إليها فعل المعنى ما للنفس في الشيء فعل.
(وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) أخبر تعالى أنه قد أزاح عللهم بإرساله ، فلا حجة لهم لقوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٢) وللناس عام عربهم وعجمهم ، وانتصب رسولا على الحال المؤكدة. وجوّز أن يكون مصدرا بمعنى إرسالا ، وهو ضعيف.
(وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي مطلعا على ما يصدر منك ومنهم ، أو شهيدا على رسالتك. ولا ينبغي لمن كان الله شاهده إلا أن يطاع ويتبع ، لأنه جاء بالحق والصدق ، وشهد الله له بذلك.
وقد تضمنت هذه الآيات من البيان والبديع : الاستعارة في : يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ، وفي : فسوف نؤتيه أجرا عظيما لما يناله من النعيم في الآخرة ، وفي : سبيل الله ، وفي : سبيل الطاغوت ، استعار الطريق للاتباع وللمخالفة وفي : كفوا أيديكم أطلق كف اليد الذي هو مختص بالإجرام على الإمساك عن القتال. والاستفهام الذي معناه الاستبطاء
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٥٣.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ١٥.