(وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) هذا تقوية لقلوب المؤمنين ، وأنّ بأس الله أشدّ من بأس الكفار. وقد رجى كف بأسهم ، ثم ذكر ما أعد لهم من النكال ، وأن الله تعالى هو أشد عقوبة. فذكر قوّته وقدرته عليهم ، وما يؤول إليه أمرهم من التعذيب. قال الحسن وقتادة : وأشد تنكيلا أي عقوبة فاصحة ، والأظهر أن أفعل التفضيل هنا على بابها. وقيل : هو من باب العسل أحلى من الخل ، لأن بأسهم بالنسبة إلى بأسه تعالى ليس بشيء.
(مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها) قال قوم : من يكن شفيعا لوتر أصحابك يا محمد في الجهاد فيسعفهم في جهاد عدوّهم يكن له نصيب من الجهاد ، أو من يشفع وتر الإسلام بالمعونة للمسلمين ، فتلك حسنة ، وله نصيب منها. وحملهم على هذا التأويل ما تقدم من ذكر القتال والأمر به ، وقال قريبا منه الطبري. وقال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم : هي في حوائج الناس ، فمن يشفع لنفع فله نصيب ، ومن يشفع لضر فله كفل.
وقال الزمخشري : الشفاعة الحسنة هي التي روعي فيها حق مسلم ، ودفع عنه بها شر ، أو جلب إليه خير وابتغى بها وجه الله ، ولم يؤخذ عليها رشوة ، وكانت في أمر جائز لا في حد من حدود الله ، ولا حق من الحقوق. والسيئة ما كان بخلاف ذلك انتهى. وهذا بسط ما قاله الحسن ، قال : الشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة ، والسيئة في المعاصي. وقيل : الشفاعة الحسنة هي الدعوة للمسلم لأنها في معنى الشفاعة إلى الله تعالى. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من دعا لأخيه بظهر الغيب استجيب له ، وقال له الملك : ولك مثل ذلك النصيب» ولدعوة على المسلم بضد ذلك. وقال ابن السائب ومقاتل : الشفاعة الحسنة هنا الصلح بين الاثنين ، والسيئة الإفساد بينهما والسعي بالنميمة. وقيل : الشفاعة الحسنة أن يشفع إلى الكافر حتى يوضح له من الحجج لعله يسلم ، والسيئة أن يشفع إلى المسلم عسى يرتد أو ينافق. والظاهر أنّ من للسبب أي : نصيب من الخير بسببها ، وكفل من الشر بسببها. وتقدم في المفردات أن الكفل النصيب. وسمي المجازي.
وقال أبان بن تغلب : الكفل المثل. وقال الحسن وقتادة : هو الوزر والإثم ، وغاير في النصيب فذكره بلفظ الكفل في الشفاعة السيئة ، لأنه أكثر ما يستعمل في الشر ، وإن كان قد استعمل في الخير لقوله : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) (١) قالوا : وهو مستعار من كفل
__________________
(١) سورة الحديد : ٥٧ / ٢٨.