عَظِيماً) (١) وهو محمول على المعنى على تقدير شرط أي : إن أردت الفوز فقاتل. أو معطوفة على قوله : (فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ) (٢) فقد أبعد. وظاهر الأمر أنه خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وحده ، ويؤكده : لا تكلف إلا نفسك. وحمله الزمخشري على تقدير شرط ، قال : أي إن أفردوك وتركوك وحدك لا تكلف إلا نفسك وحدها أن تقدمها للجهاد ، فإنّ الله هو ناصرك لا الجنود ، فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف انتهى. وسبقه إليه الزجاج قال : أمره بالجهاد وإن قاتل وحده ، لأنه ضمن له النصرة. وقال ابن عطية : لم نجد قط في خبر أنّ القتال فرض على النبي دون الأمة مرة ما ، فالمعنى ـ والله أعلم ـ أنه خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم في اللفظ ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه : أي : أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له فقاتل في سبيل الله ، ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يستشعر ، أن يجاهد ولو وحده ، ومن ذلك قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي» وقول أبي بكر وقت الردة : ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي.
ومعنى لا تكلف إلا نفسك : أي : لا تكلف في القتال إلا نفسك ، فقاتل ولو وحدك. وقيل : المعنى إلا طاقتك ووسعك. والنفس يعبر بها عن القوّة يقال : سقطت نفسه أي قوته. وقرأ الجمهور : لا تكلف خبرا مبنيا للمفعول ، قالوا : والجملة في موضع الحال ، ويجوز أن يكون إخبارا من الله لنبيه ، لا حالا شرع له فيها أنه لا يكلف أمر غيره من المؤمنين ، إنما يكلف أمر نفسه فقط. وقرىء : لا نكلف بالنون وكسر اللام ، ويحتمل وجهي الإعراب : الحال والاستئناف. وقرأ عبد الله بن عمر : لا تكلف بالتاء وفتح اللام ، والجزم على جواب الأمر. وأمره تعالى بحث المؤمنين على القتال ، وتحريك هممهم إلى الشهادة.
(عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال عكرمة وغيره : عسى من الله واجبة ، ومن البشر متوقعة مرجوّة. والذين كفروا : هم كفار قريش ، وقد كف الله تعالى بأسهم ، وبدا لأبي سفيان ترك القتال. وقال : هذا عام مجدب ، وما كان معهم إلا السويق ، ولا يلقون إلا في عام مخصب فرجع بهم. وقيل : كف البأس يكون عند نزول عيسى ابن مريم عليهالسلام. وقيل : ذلك يوم الحديبية. وقيل : هي فيمن ضربت عليهم الجزية. والجمهور على ما قدمناه من أنّ ذلك كان عند خروجهم إلى بدر الصغرى. والظاهر في هذا أنه لا يتقيد كف بأس الذين كفروا بما ذكروا ، والتخصيص بشيء يحتاج إلى دليل.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٧٤.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٧٦.