قول قلق ، وليس يشبه ما حكى سيبويه من قولهم : أرض قلما تنبت كذا ، بمعنى لا تنبته. لأن اقتران القلة بالاستثناء يقتضي حصولها ، ولكن ذكره الطبري انتهى. وهذا الذي ذكره ابن عطية صحيح ، ولكن قد جوزه هو في قوله : (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (١) ولم يقلق عنده هناك ولا رده ، وقد رددناه عليه هناك فيطالع ثمة.
وقيل : إلا قليلا مستثنى من قوله : أذاعوا به ، والتقدير : أذاعوا به إلا قليلا ، قاله : ابن عباس وابن زيد ، واختاره : الكسائي ، والفراء ، وأبو عبيد ، وابن حرب ، وجماعة من النحويين ، ورجحه الطبري. وقيل : مستثنى من قوله : لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، قاله : الحسن ، وقتادة ، واختاره ابن عيينة. وقال مكي : ولو لا فضل الله عليكم أي : رحمته ونعمته إذ عافاكم مما ابتلى به هؤلاء المنافقين الذين وصفهم بالتبييت ، والخلاف لاتبعتم الشيطان هو خطاب للذين قال لهم : (خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ) (٢) وقيل : الخطاب عام ، والقليل المستثنى هم أمة الرسول ، لأنهم قليل بالنسبة إلى الكفار. وفي الحديث الصحيح : «ما أنتم إلا كالرقمة البيضاء في الثور الأسود».
(فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) قيل : نزلت في بدر الصغرى. دعا الناس إلى الخروج ، وكان أبو سفيان وعاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم اللقاء فيها ، فكره بعض الناس أن يخرجوا فنزلت. فخرج وما معه إلا سبعون لم يلو على أحد ، ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده.
ومناسبة هذه الآية هي : أنه لما ذكر في الآيات قبلها تثبيطهم عن القتال ، واستطرد من ذلك إلى أنّ الموت يدرك كل أحد ولو اعتصم بأعظم معتصم ، فلا فائدة في الهرب من القتال ، وأتبع ذلك بما أتبع من سوء خطاب المنافقين للرسول عليهالسلام ، وفعلهم معه من إظهار الطاعة بالقول وخلافها بالفعل ، وبكتهم في عدم تأملهم ما جاء به الرسول من القرآن الذي فيه كتب عليهم القتال ، عاد إلى أمر القتال. وهكذا عادة كلام العرب تكون في شيء ثم تستطرد من ذلك إلى شيء آخر له به مناسبة وتعلق ، ثم تعود إلى ذلك الأول.
والفاء هنا عاطفة جملة كلام على جملة كلام يليه ، ومن زعم أنّ وجه العطف بالفاء هو أن يكون متصلا بقوله : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ) (٣) أو بقوله : (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٤٦.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٧١.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٧٥.