تأويل ، يمتنع كون : من ، منصوبا على أنه مفعول معه ، لأنك إذا قلت : أكلت رغيفا وعمرا ، أي : مع عمرو ، دل ذلك على أنه مشارك لك في أكل الرغيف ، وقد أجاز هذا الوجه الزمخشري ، وهو لا يجوز لما ذكرنا على كل حال ، لأنه لا يمكن تأويل حذف المفعول مع كون الواو واو المعية.
وأثبت ياء : اتبعني ، في الوصل أبو عمرو ، ونافع ، وحذفها الباقون ، وحذفها أحسن لموافقة خط المصحف ، ولأنها رأس آية كقوله : أكرمن وأهانن ، فتشبه قوافي الشعر كقول الشاعر :
وهل يمنعنّي ارتياد البلا |
|
د من حذر الموت أن يأتين |
(وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) هم : اليهود والنصارى باتفاق (وَالْأُمِّيِّينَ) هم مشركو العرب ، ودخل في ذلك كل من لا كتاب له (أَأَسْلَمْتُمْ) تقدير في ضمنه الأمر. وقال الزجاج : تهدّد. قال ابن عطية : وهذا حسن ، لأن المعنى : أأسلمتم له أم لا؟ وقال الزمخشري : يعني أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضى حصوله لا محالة ، فهل أسلمتم أم أنتم على كفركم؟ وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ، ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقا إلّا سلكته ، هل فهمتها لا أمّ لك؟ ومنه قوله عز وعلا : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (١) بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر ، وفي هذا الاستفهام استقصار وتغيير بالمعاندة وقلة الإنصاف ، لأن المنصف إذا تجلت له الحجة ولم يتوقف إذعانه للحق ، وللمعاند بعد تجلي الحجة ما يضرب أسدادا بينه وبين الإذعان ، وكذلك في : هل فهمتها؟ توبيخ بالبلادة وكله القريحة ، وفي (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٢) بالتقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطي المنهي عنه. انتهى كلامه. وهو حسن ، وأكثره من باب الخطابة.
(فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) أي إن دخلوا في الإسلام فقد حصلت لهم الهداية ، وعبر بصيغة الماضي المصحوب بقد الدالة على التحقيق مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى ، ومن الظلمة إلى النور. انتهى.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) أي : هم لا يضرونك بتوليهم ، وما عليك أنت إلّا تنبيههم بما تبلغه إليهم من طلب إسلامهم وانتظامهم في عبادة الله وحده ، وقيل : إنها آية
__________________
(٢ ـ ١) سورة المائدة : ٥ / ٩١.