نازعوك فقل : الدليل عليه أني أسلمت وجهي لله ، فهذا تمام الوفاء بلزوم الربوبية والعبودية ، فصح أن الدين الكامل الإسلام ، وأيضا فالآية مناسبة لقول إبراهيم (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ) (١) أي : لا تجوز العبادة إلّا لمن يكون نافعا وضارا وقادرا على جميع الأشياء ، وعيسى ليس كذلك ، وأيضا فهذه إشارة إلى طريقة إبراهيم عليهالسلام (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ : أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) وروي هذا عن ابن عباس. انتهى ما لخص من كلام الرازي. وليس أواخر كلامه بظاهرة من مراد الآية ومدلولها.
وفتح الياء : من : وجهي ، هنا ، وفي الأنعام نافع ، وابن عامر ، وحفص ، وسكنها الباقون.
(وَمَنِ اتَّبَعَنِ) قيل : من ، في موضع رفع ، وقيل : في موضع نصب على أنه مفعول معه ، وقيل : في موضع خفض عطفا على اسم الله.
ومعناه : جعلت مقصدي بالإيمان به ، والطاعة له ، ولمن اتبعني بالحفظ له ، والتحفي بتعلمه ، وصحته.
فأما الرفع فعطفا على الفاعل في : أسلمت ، قاله الزمخشري ، وبدأ به قال : وحسن للفاصل ، يعنى أنه عطف على الضمير المتصل ، ولا يجوز العطف على الضمير المتصل المرفوع إلّا في الشعر ، على رأي البصريين. إلّا إن فصل بين الضمير والمعطوف ، فيحسن. وقاله ابن عطية أيضا ، وبدأ به. ولا يمكن حمله على ظاهره لأنه إذا عطف على الضمير في نحو : أكلت رغيفا وزيد ، لزم من ذلك أن يكونا شريكين في أكل الرغيف ، وهنا لا يسوغ ذلك ، لأن المعنى ليس على أنهم أسلموا هم وهو صلىاللهعليهوسلم وجهه لله ، وإنما المعنى : أنه صلىاللهعليهوسلم أسلم وجهه لله ، وهم أسلموا وجوههم لله ، فالذي يقوى في الإعراب أنه معطوف على ضمير محذوف منه المفعول ، لا مشارك في مفعول : أسلمت ، التقدير : ومن اتبعني وجهه.
أو أنه مبتدأ محذوف الخبر لدلالة المعنى عليه ، ومن اتبعني كذلك ، أي : أسلموا وجوههم لله ، كما تقول : قضى زيد نحبه وعمرو ، أي : وعمرو كذلك. أي : قضى نحبه.
ومن الجهة التي امتنع عطف : ومن ، على الضمير إذا حمل الكلام على ظاهره دون
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٤٢.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٣١.