المحاج فيه أنه دين الإسلام ، لأنه السابق. وجواب الشرط هو : (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) والمعنى : انقدت وأطعت وخضعت لله وحده ، وعبر : بالوجه ، عن جميع ذاته ، لأن الوجه أشرف الأعضاء ، وإذا خضع الوجه فما سواه أخضع وقال المروزي ، وسبقه الفراء إلى معناه : معنى أسلمت وجهي ، أي : ديني ، لأن الإيمان كالوجه بين الأعمال إذ هو الأصل ، وجاء في التفسير أقوال لكم ، كما قال ابن نعيم : وقد أجمعتم على أنه محق (قالَ : يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١).
وقال الزمخشري : وأسلمت وجهي ، أي : أخلصت نفسي وعملي لله وحده ، لم أجعل له شريكا بأن أعبده وأدعو إلها معه ، يعني : أن ديني التوحيد ، وهو الدين القديم الذي ثبت عندكم صحته ، كما ثبت عندي. وما جئت بشيء بديع حتى تجادلوني فيه ، ونحوه (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ) (٢) الآية ، فهو دفع للمجادلة. انتهى.
وفي تفسيره أطلق الوجه على النفس والعمل معا ، إلّا إن كان أراد تفسير المعنى لا تفسير اللفظ ، فيسوغ له ذلك.
وقال الرازي : في كيفية إيراد هذا الكلام طريقان :
الأول : أنه إعراض عن المحاجة ، إذ قد أظهر لهم الحجة على صدقه قبل نزول هذه الآية ، فإن هذه السورة مدنية ، وذلك بإظهار المعجزات بالقرآن وغيره ، وقد ذكر قبل هذه الآية الحجة بقوله : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٣) على فساد قول النصارى في إلهية عيسى ، وبقوله (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) (٤) على صحة نبوّته ، وذكر شبه القوم وأجاب عنها ، وذكر معجزات أخرى ، وهي ما شاهدوه يوم بدر ، بين القول بالتوحيد بقوله : شهد الله.
والطريق الثاني : أنه إظهار للدليل ، وذلك أنهم كانوا مقرين بالصانع واستحقاقه للعبادة فكأنه قال : أنا متمسك بهذا القدر المتفق عليه ، والخلف فيما وراءه ، وعلى المدعي الإثبات. وأيضا كانوا معظمين إبراهيم عليهالسلام وأنه كان محقا ، وقد أمر أن يتبع ملته ، وهنا أمر أن يقول كقوله ، فيكون هذا من باب الإلزام ، أي : أنا متمسك بطريق من هو عندكم محق ، وهذا قاله أبو مسلم ، وأيضا لما تقدّم أن الدين هو الإسلام ، قيل له : إن
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٧٨ و ٧٩.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٦٤.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ٢ وقد وردت في سورة البقرة : ٢ / ٢٥٥.
(٤) سورة آل عمران : ٣ / ٣.