قال : «رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بمعروف ونهى عن منكر». ثم قرأها. ثم قال : «يا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة واثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل ، فأمروا قتلتهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار».
(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو يدل على أن المراد معاصروه لا آباؤهم ، فيكون إطلاق قتل الأنبياء مجازا لأنهم لم يقتلوا أنبياء لكنهم رضوا ذلك وراموه. وهذه الجملة هي خبر : إن ، ودخلت الفاء لما يتضمن الموصول من معنى اسم الشرط كما قدّمناه ، ولم يعب بهذا الناسخ لأنه لم يغير معنى الابتداء ، أعني : إن.
ومع ذلك في المسألة خلاف : الصحيح جواز دخول الفاء في خبر : إن ، إذا كان اسمها مضمنا معنى الشرط ، وقد تقدّمت شروط جواز دخول الفاء في خبر المبتدأ ، وتلك الشروط معتبرة هنا ، ونظير هذه الآية في دخول الفاء (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (١) (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) (٢) (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) (٣).
ومن منع ذلك جعل الفاء زائدة ، ولم يقس زيادتها. وتقدم أن البشارة هي أول خبر سار ، فإذا استعملت مع ما ليس بسار ، فقيل : ذلك هو على سبيل التهكم والاستهزاء كقوله :
تحية بينهم ضرب وجيع
أي : القائم لهم مقام الخبر السار هو العذاب الأليم وقيل : هو على معنى تأثر البشرة من ذلك ، فلم يؤخذ فيه قيد السرور ، بل لوحظ معنى الاشتقاق.
(أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ). تقدم تفسير هذه الجملة عند قوله ومن (يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) (٤) فأغنى عن إعادته.
وقرأ ابن عباس ، وأبو السمال : حبطت ، بفتح الباء وهي لغة.
(وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) مجيء الجمع هنا أحسن من مجيء الإفراد ، لأنه رأس آية ،
__________________
(١) سورة محمد : ٤٧ / ٣٤.
(٢) سورة الأحقاف : ٤٦ / ١٣.
(٣) سورة البروج : ٨٥ / ١٠.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٢١٧.