ولأنه بإزاء من للمؤمنين من الشفعاء الذين هم الملائكة والأنبياء وصالحو المؤمنين ، أي : ليس لهم كأمثال هؤلاء ، والمعنى : بانتفاء الناصرين انتفاء ما يترتب على النصر من المنافع والفوائد ، وإذا انتفت من جمع فانتفاؤها من واحد أولى ، وإذا كان جمع لا ينصر فأحرى أن لا ينصر واحد ، ولما تقدم ذكر معصيتهم بثلاثة أوصاف ناسب أن يكون جزاؤهم بثلاثة ، ليقابل كل وصف بمناسبه ، ولما كان الكفر بآيات الله أعظم ، كان التبشير بالعذاب الأليم أعظم ، وقابل قتل الأنبياء بحبوط العمل في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا بالقتل والسبي وأخذ المال والاسترقاق ، وفي الآخرة بالعقاب الدائم ، وقابل قتل الآمرين بالقسط ، بانتفاء الناصرين عنهم إذا حل بهم العذاب ، كما لم يكن للآمرين بالقسط من ينصرهم حين حل بهم قتل المعتدين ، كذلك المعتدون لا ناصر لهم إذا حل بهم العذاب.
وفي قوله : أولئك ، إشارة إلى من تقدم موصوفا بتلك الأوصاف الذميمة ، وأخبر عنه : بالذين ، إذ هو أبلغ من الخبر بالفعل ، ولأن فيه نوع انحصار ، ولأن جعل الفعل صلة يدل على كونها معلومة للسامع ، معهودة عنده ، فإذا أخبرت بالموصول عن اسم استفاد المخاطب أن ذلك الفعل المعهود المعلوم عنده المعهود هو منسوب للمخبر عنه بالموصول ، بخلاف الإخبار بالفعل ، فإنك تخبر المخاطب بصدوده عن من أخبرت به عنه ، ولا يكون ذلك الفعل معلوما عنده ، فإن كان معلوما عنده جعلته صلة ، وأخبرت بالموصول عن الاسم.
قيل وجمعت هذه الآيات ضروبا من الفصاحة والبلاغة. أحدها : التقديم والتأخير في : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) قال ابن عباس التقدير : شهد الله أن الدين عند الله الإسلام ، أنه لا إله إلا هو ، ولذلك قرأ إنه ، بالكسر : وأن الدين ، بالفتح.
وأطلق اسم السبب على المسبب في قوله (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) عبر بالعلم عن التوراة والإنجيل أو النبي صلىاللهعليهوسلم ، على الخلاف الذي سبق.
وإسناد الفعل إلى غير فاعله في : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) وأصحاب النار.
والإيماء في قوله : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) فيه إيماء إلى أن النفي دائر شائع فيهم ، وكل فرقة منهم تجاذب طرفا منه.
والتعبير ببعض عن كل في : (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ).
والاستفهام الذي يراد به التقرير أو التوبيخ والتقريع في قوله (أَأَسْلَمْتُمْ).