لأنه لما كان المؤمنون نهوا عن فعل ما لا يجوز ، جعل ذلك في اسم غائب ، فلم يواجهوا بالنهي ، ولما وقعت المسامحة والإذن في بعض ذلك ووجهوا بذلك إيذانا بلطف الله بهم ، وتشريفا بخطابه إياهم.
وقرأ الجمهور : تقاة ، وأصله : وقية ، فأبدلت الواو تاء ، كما أبدلوها في : تجاه وتكاه ، وانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وهو مصدر على فعلة : كالتؤدة والتخمة ، والمصدر على فعل أو فعلة جاء قليلا. وجاء مصدرا على غير المصدر ، إذ لو جاء على المقيس لكان : اتقاء ونظيره قوله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (١) وقول الشاعر :
ولاح بجانب الجبلين منه |
|
ركام يحفر الأرض احتفارا |
والمعنى : إلّا أن تخافوا منهم خوفا. وأمال الكسائي : تقاة ، وحق تقاته ، ووافقه حمزة هنا وقرأ ورش بين اللفظين ، وفتح الباقون.
وقال الزمخشري : إلّا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه. وقرىء : تقية. وقيل : للمتقي تقاة وتقية ، كقولهم : ضرب الأمير لمضروبه. انتهى. فجعل : تقاة ، مصدرا في موضع اسم المفعول ، فانتصابه على أنه مفعول به لا على أنه مصدر ، ولذلك قدره إلّا أن تخافوا أمرا.
وقال أبو عليّ : يجوز أن يكون : تقاة ، مثل : رماة ، حالا من : تتقوا ، وهو جمع فاعل ، وإن كان لم يستعمل منه فاعل ، ويجوز أن يكون جمع تقي. انتهى كلامه.
وتكون الحال مؤكدة لأنه قد فهم معناها من قوله (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ) وتجويز كونه جمعا ضعيف جدّا ، ولو كان جمع : تقي ، لكان أتقياء ، كغني وأغنياء ، وقولهم : كمي وكماة ، شاذ فلا يخرجّ عليه ، والذي يدل على تحقيق المصدرية فيه قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (٢) المعنى حق اتقائه ، وحسن مجيء المصدر هكذا ثلاثيا أنهم قد حذفوا : اتقى ، حتى صار : تقي يتقي ، تق الله فصار كأنه مصدر لثلاثي.
وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو رجاء ، وقتادة ، والضحاك ، وأبو حيوة ، ويعقوب ، وسهل ، وحميد بن قيس ، والمفضل عن عاصم : تقية على وزن مطية وجنية ، وهو مصدر على وزن : فعيلة ، وهو قليل نحو : النميمة. وكونه من افتعل نادر.
__________________
(١) سورة المزمل : ٧٣ / ٨.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٠٢.