قال ابن عطية (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) معناه في شيء مرضي على الكمال والصواب ، وهذا كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من غشنا فليس منا». وفي الكلام حذف مضاف تقديره : فليس من التقرب إلى الله والتزلف. ونحو هذا مقوله : في شيء ، هو في موضع نصب على الحال من الضمير الذي في قوله : (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ). انتهى كلامه. وهو كلام مضطرب ، لأن تقديره : فليس من التقرب إلى الله ، يقتضي أن لا يكون من الله خبرا لليس ، إذ لا يستقل. فقوله : في شيء ، هو في موضع نصب على الحال يقتضي أن لا يكون خبرا ، فيبقى : ليس ، على قوله لا يكون لها خبر ، وذلك لا يجوز. وتشبيهه بقوله عليهالسلام : «من غشنا فليس منا» ليس بجيد لما بيناه من الفرق في بيت النابغة بينه وبين الآية.
(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) هذا استثناء مفرع من المفعول له ، والمعنى لا يتخذوا كافرا وليا لشيء من الأشياء إلّا لسبب التقية ، فيجوز إظهار الموالاة باللفظ والفعل دون ما ينعقد عليه القلب والضمير ، ولذلك قال ابن عباس : التقية المشار إليها مداراة ظاهرة. وقال : يكون مع الكفار أو بين أظهرهم ، فيتقيهم بلسانه ، ولا مودة لهم في قلبه.
وقال قتادة : إذا كان الكفار غالبين ، أو يكون المؤمنون في قوم كفار فيخافونهم ، فلهم أن يحالفوهم ويداروهم دفعا للشر وقلبهم مطمئن بالإيمان.
وقال ابن مسعود : خالطوا الناس وزايلوهم وعاملوهم بما يشتهون ، ودينكم فلا تثلموه. وقال صعصعة بن صوحان لأسامة بن زيد : خالص المؤمن وخالق الكافر ، إن الكافر يرضى منك بالخلق الحسن.
وقال الصادق : التقية واجبة ، إني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فاستتر منه بالسارية لئلا يراني. وقال : الرياء مع المؤمن شرك ، ومع المنافق عبادة.
وقال معاذ بن جبل ، ومجاهد : كانت التقية في جدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين ، فأما اليوم فقد أعز الله المسلمين أن يتقوهم بأن يتقوا من عدوهم.
وقال الحسن : التقية جائزة إلى يوم القيامة ، ولا تقية في القتل. وقال مجاهد : إلا أن تتقوا قطيعة الرحم فخالطوهم في الدنيا.
وفي قوله (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) التفات ، لأنه خرج من الغيبة إلى الخطاب ، ولو جاء على نظم الأول لكان : إلا أن يتقوا ، بالياء المعجمة من أسفل ، وهذا النوع في غاية الفصاحة ،