نظر وان كان قد تقدمه في ذلك الشهيد في الذكرى ، والوجه في ذلك ان غاية ما تدل عليه الرواية الاولى انه (صلىاللهعليهوآله) أخبر انه لو لا خوف المشقة على أمته لجعل فضيلة العشاء في التأخير إلى مضي ثلث الليل لكن لما كان فيه مشقة عليهم لم يفعله ولم يأمر به ، لان «لو لا» تدل على انتفاء الشيء الذي هو الجزاء لثبوت غيره الذي هو الشرط ، وهذا لا يدل على استحباب التأخير الى ذلك المقدار حتى يكون منافيا لما دل على أفضلية أول الوقت ، بل هو بالدلالة على خلافه أشبه لانه (صلىاللهعليهوآله) لم يشرعه ولم يأمر به وانما هو مجرد خبر أراد به إظهار الشفقة عليهم وبيان سعة الشريعة وانها مبنية على السهولة والسماحة ، ولو استلزم هذا الكلام ما ذكره للزم على رواية نصف الليل كما تقدم في رواية العلل استحباب تأخير العشاء الى بعد الانتصاف الذي قد استفاضت الأخبار بخروج الوقت به ، وبالجملة فإن الغرض من الخبر انما هو ما ذكرنا فلا دلالة فيه على استحباب التأخير ان لم يكن فيه دلالة على العدم ، نعم آخر الثلث هو آخر وقت الفضيلة أو الاختيار على القولين المتقدمين وما بعده الى الانتصاف هو وقت الاجزاء على المشهور أو ذوي الأعذار على المختار ، واما الرواية الثانية فالظاهر ان تأخيره (صلىاللهعليهوآله) تلك الليلة بخصوصها دون سائر الليالي انما كان لعذر ويشير الى ذلك قوله (عليهالسلام) «ليلة من الليالي» لا ان ذلك كان مستمرا منه (صلىاللهعليهوآله) حتى يتوهم منه ما ذكره ، وربما كان التفاتهم فيما فهموه من الخبر الأول إلى انه لو لا خوف المشقة لأوجب التأخير وجعل ذلك فرضا واجبا عليهم ولكنه لأجل الرأفة بهم لم يوجبه وهو يومئ الى استحباب ذلك. وفيه ان حمل الخبر على الوجوب بعيد غاية البعد عن مفاد الأخبار المستفيضة المتكاثرة المتقدمة الصريحة الدلالة في خروج وقتها بعد مضي قدر الثلث ولا سيما اخبار نزول جبرئيل بالأوقات الدالة على ان أول وقتها غيبوبة الشفق وآخره حين يذهب ثلث الليل» (١) إلا ان يقال انه كان يريد نسخ ذلك في هذه الفريضة بخصوصها
__________________
(١) ص ١٢٧.