الأدب على أبي محمد بن الخشاب ، وصحب جده أبا البركات إسماعيل شيخ الشيوخ فانتفع بصحبته ، ولبس منه الخرقة ، وتخلق بأخلاقه وتأدب بآدابه ، وأخذ علم الحديث ومعرفته من ابن ناصر ، وكان كثيرا يحكي عنه من الفوائد الحسنة والنكت الغريبة والمعاني الدقيقة ، ومد الله له في العمر حتى حدث بجميع مروياته مرارا ، وقصده طلاب العلم من سائر الأقطار ، وكانت أوقاته محفوظة ، وكلماته معدودة ، فلا تمضي له ساعة إلا في قراءة القرآن والذكر والتهجد وقراءة الناس ، وكان يمنع الناس من التحديث في مجلسه بلغو أو غيبة إنسان أو ذكر ما لا فائدة فيه ، وإذا قرئ (١) عليه الحديث منه أن يقام له ، [و] (٢) إذا حضر غيره أيضا فلا يقام (٣) له ، وكان كثير الحج والعمرة والمجاورة بمكة ، وكان دائما على سجادته على طهارة مستقبل القبلة ، يقرأ القرآن ليلا ونهارا ، والمصحف في يده ينظر فيه ، وإذا غلبه النوم نام على سجادته ، وما استيقظ إلا جدد وضوءا ، ولا يخرج من منزله إلا لحضور صلاة (٤) الجمعة أو العيد أو جنازة أو زيارة صالح حي أو ميت أو حضور مجلس ذكر ، ولم يكن يحضر دور أبناء الدنيا ولا أرباب المناصب في هناء ولا عزاء ، وكان مديما للصيام في أكثر أوقاته مع علو سنه ، وكان يستعمل السنة في جميع أحواله : في مدخله ومخرجه وملبسه ومأكله ومشربه ، ويحب الصالحين ، ويقتفي بسيرة السلف عقدا وفعلا ، ويعظم العلماء ، ويستفيد من الكبير والصغير ويتواضع لجميع الناس وفي سائر أحواله ، وكان دائما يقول : نسأل الله [أن](٥) يميتنا مسلمين! وإذا دعا له أحد بطول البقاء قال : أسأل الله الوفاة على الإسلام ، ويبكي. وكان ظاهر الخشوع عند الذكر ، غزير الدمعة عند قراءة القرآن والحديث وأخبار الصالحين.
وكان إذا أكثر من البكاء يعتذر إلى الحاضرين ويقول : قد كبر سني ورق عظمي فلا أملك دمعتي ـ نفيا لإظهار الخشوع وخوفا من الرياء وسترا لحاله ، وكان الله
__________________
(١) في (ج) : «قرأ».
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصول.
(٣) من هنا حتى ننبه عليه ساقط من (ج).
(٤) في الأصل ، (ب) : «الصلاة».
(٥) ما بين المعقوفتين ليست في الأصول.