يعدّى فعل تستّر ، وإمّا لتضمينه معنى تخافوا.
و (تُقاةً) قرأه الجمهور : بضم المثنّاة الفوقية وفتح القاف بعدها ألف ، وهو اسم مصدر الاتّقاء ، وأصله وقية فحذفت الواو التي هي فاء الكلمة تبعا لفعل اتّقى إذ قلبت واوه تاء ليتأتّى إدغامها في تاء الافتعال ، ثم أتبعوا ذلك باسم مصدره كالتّجاه والتكلة والتؤدة والتخمة إذ لا وجه لإبدال الفاء تاء في مثل تقاة إلّا هذا. وشذّ تراث. يدل لهذا المقصد قول الجوهري : «وقولهم تجاهك بني على قولهم اتّجه لهم رأي». وفي «اللسان» في تخمة ، «لأنّهم توهّموا التاء أصلية لكثرة الاستعمال». ويدل لذلك أيضا قرن هذه الأسماء مع أفعالها في نحو هذه الآية ، ونحو قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢] وقرأه يعقوب بفتح الفوقية وكسر القاف وفتح التحتية مشدّدة بوزن فعيلة.
وفائدة التأكيد بالمفعول المطلق هنا : الإشارة إلى تحقّق كون الحالة حالة تقية ، وهذه التقية مثل الحال التي كان عليها المستضعفون من المؤمنين الذين لم يجدوا سبيلا للهجرة ، قال تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) [النحل : ١٠٦] ومثل الحالة التي لقيها مسلمو الأندلس حين أكرههم النصارى على الكفر فتظاهروا به إلى أن تمكّنت طوائف منهم من الفرار ، وطوائف من استئذان الكفّار في الهجرة إلى بلاد الإسلام فأذن لهم العدوّ ، وكذلك يجب أن تكون التّقاة غير دائمة لأنّها إذا طالت دخل الكفر في الذراري.
وقوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) تحذير من المخالفة ومن التساهل في دعوى التقية واستمرارها أو طول زمانها.
وانتصاب (نَفْسَهُ) على نزع الخافض وأصله ويحذّركم الله من نفسه ، وهذا النزع هو أصل انتصاب الاسمين في باب التحذير في قولهم إياك الأسد ، وأصله أحذّرك من الأسد. وقد جعل التّحذير هنا من نفس الله أي ذاته ليكون أعمّ في الأحوال ، لأنّه لو قيل يحذركم الله غضبه لتوهّم أنّ لله رضا لا يضرّ معه ، تعمّد مخالفة أوامره ، والعرب إذا أرادت تعميم أحوال الذات علّقت الحكم بالذات : كقولهم لو لا فلان لهلك فلان ، وقوله تعالى : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ـ إلى قوله ـ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [الفتح : ٢٥] ومن هذا القبيل تعليق شرط لو لا على الوجود المطلق الذي سوغ حذف الخبر بعد لو لا.
وسيجيء الكلام على صحة إطلاق النفس مضافا إلى الله تعالى في سورة العقود عند قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [المائدة : ١١٦].