الدين وقد أضيفت هذه المحبة إلى أفلاطون ، فقيل محبة أفلاطونية : لأنّه بحث عنها وعلّلها فإننا نسمع بصفات مشاهير الرجال مثل الرسل وأهل الخير والذين نفعوا الناس ، والذين اتصفوا بمحامد الصفات كالعلم والكرم والعدل ، فنجد من أنفسنا ميلا إلى ذكرهم ثم يقوى ذلك الميل حتى يصير محبّة منا إياهم مع أننا ما عرفناهم ، ألا ترى أنّ مزاولة كتب الحديث والسيرة ممّا يقوّي محبة المزاول في الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك صفات الخالق تعالى ، لما كانت كلها كمالات وإحسانا إلينا وإصلاحا لفاسدنا ، أكسبنا اعتقادها إجلالا لموصوفها ، ثم يذهب ذلك الإجلال يقوى إلى أن يصير محبّة وفي الحديث : «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبّه إلّا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» فكانت هذه الثلاثة من قبيل المحبّة ولذلك جعل عندها وجدان حلاوة الإيمان أي وجدانه جميلا عند معتقده.
فأصحاب الرأي الأول يرون تعليق المحبة بذات الله في هذه الآية ونحوها مجازا بتشبيه الرغبة في مرضاته بالمحبة ، وأصحاب الرأي الثاني يرونه حقيقة وهو الصحيح.
ومن آثار المحبّة تطلّب القرب من المحبوب والاتّصال به واجتناب فراقه. ومن آثارها محبة ما يسّره ويرضيه ، واجتناب ما يغضبه ، فتعليق لزوم اتّباع الرسول على محبة الله تعالى لأنّ الرسول دعا إلى ما يأمر الله به وإلى إفراد الوجهة إليه ، وذلك كمال المحبّة.
وأما إطلاق المحبة في قوله : (يُحْبِبْكُمُ اللهُ) فهو مجاز لا محالة أريد به لازم المحبّة وهو الرضى وسوق المنفعة ونحو ذلك من تجليات لله يعلمها سبحانه. وهما المعبر عنهما بقوله : (يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) فإنّ ذلك دليل المحبة وفي القرآن : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) [المائدة : ١٨].
وتعليق محبة الله إياهم على (فَاتَّبِعُونِي) المعلّق على قوله : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) ينتظم منه قياس شرطي اقتراني. ويدل على الحب المزعوم إذا لم يكن معه اتّباع الرسول فهو حبّ كاذب ، لأنّ المحب لمن يحبّ مطيع ، ولأنّ ارتكاب ما يكرهه المحبوب إغاظة له وتلبس بعدوّه وقد قال أبو الطيب :
أأحبّه وأحبّ فيه ملامة |
|
إنّ الملامة فيه من أعدائه |
فعلم أنّ حب العدوّ لا يجامع الحب وقد قال العتابي :